[خطورة انتشار الجرائم والمعاصي]
إن انتشار الإجرام بين الناس مؤذن بخطر عظيم، فهو مقتض لحصول مقت الله سبحانه وتعالى وسخطه، وإذا حل المقت فإن العقوبة ستكون شاملة، ثم بعد ذلك يبعث الناس على نياتهم، كما صح عن عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يغزو جيش الكعبة، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بأولهم وآخرهم، فقلت: يا رسول الله! كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟! فقال: يبعثون على نياتهم).
فإذا جاءت العقوبة وحلت ستشمل الجميع، وتأكل الأخضر واليابس، وتقضي على الصالح والطالح، لكنهم يبعثون يوم القيامة على نياتهم، فمن كان منكراً معرضاً عن الإجرام فإنه سينجو منه يوم القيامة، لكن يشمله شؤمه في هذه الدنيا؛ ولذلك يجب علينا جميعاً إذا سمع أي أحد منا منكراً أن يبرأ إلى الله منه، وأن يشهد على ذلك، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل حين سمع بقصة خالد رضي الله عنه مع بني جذيمة، وذلك أنه أرسل خالد بن الوليد رضي الله عنه بعد فتح مكة ليقاتل من امتنع عن الإسلام من الأعراب المحيطين بمكة، فأتى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام فقالوا: صبأنا صبأنا، ولم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فتأول خالد بن الوليد وأصحابه فأعملوا فيهم السيوف، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمد يديه إلى السماء وقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد)، فلما جاء خالد بيَّن عذره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل عذره.
ومثل ذلك ما فعل حين أتاه محلم بن جثامة وقد قتل رجلاً شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا تغفر لـ محلم بن جثامة، فقال: يا رسول الله! والله ما قالها إلا استعاذة من السيف، وما قتلته إلا وهو كافر! فقال: اللهم لا تغفر لـ محلم بن جثامة، فمكث ثلاثاً في أسوأ حال ومات، فدفنوه فأصبح وقد قذفته الأرض، ثم أعادوه فأصبح وقد قذفته الأرض ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إن الأرض لتواري من هو شر منه ولكنها آية) الأرض تواري كثيراً من الكفرة والمجرمين، ولكنها آية ردع الله بها سبحانه وتعالى عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً).
فلهذا على الناس أن يتعاونوا على مكافحة هذه الجرائم، وأن يعلموا أن خطرها وضررها عليهم أجمعين، وأنها لا تختص بالمتضررين المباشرين بها، بل يتعدى ضررها إلى من سواهم، ويهلك الحرث والنسل، وينقطع بها القطر من السماء.
وقد أخرج ابن ماجة في سننه وأحمد في المسند والحاكم في المستدرك بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر المهاجرين! أعيذكم بالله أن تدركوا خمساً: ما نقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وجور السلطان ونقص المئونة، وما نقض قوم عهد الله وميثاقه إلا سلط عليهم عدواً من سواهم فأخذ بعض ما في أيديهم، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، وما ظهرت الفاحشة في قوم فأعلنوا بها إلا ظهرت فيهم الأمراض التي لم تكن فيمن مضوا من أسلافهم، وما حكم قوم بغير ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم).
فهذه جرائم تتعلق بها عقوبات وشؤم في هذه الدنيا؛ فإذا انتشرت فوبالها وعقوبتها ستشمل الصالح والطالح؛ ولهذا يجب على المسلمين أن يتعاونوا على مكافحة هذه الجرائم والوقوف في وجهها.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا جميع الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرفع عنا كل الجرائم، وأن يجعل بلدنا هذا بلداً آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم اجعل بلدنا هذا بلداً آمناً مطمئناً سخاء ورخاء وسعة يا أرحم الراحمين.
اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين.
اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين