للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب إفراد الله بالعبادة]

قال: [فأفردوه جل بالعباده لا تشركوا في نوعها عباده] الفاء هنا للترتيب على ما سبق، ومعناه: إذا اجتنبتم الشرك فأفردوا الله، أي: وحدوه بالعبادة، وهذا هو الذي يسميه أهل السلوك بالتخلي قبل التحلي.

فالتخلي يقتضي التخلص من الشرك.

والتحلي يقتضي التحلي والاتصاف بالتوحيد.

فيجمع الإنسان بين النفي والإثبات فينفي الشرك أولاً ثم يثبت التوحيد ثانياً، وهذان الأمران تضمنتهما كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، فـ (لا إله) نفي، و (إلا الله) إثبات، فلذلك بدأ أولاً بنفي الشرك ثم رتب عليه إثبات التوحيد في قوله: (فأفردوه جل بالعبادة)، هذا معنى التوحيد.

فكثير من الناس يجهل معنى توحيد؛ لأن (وحد) تأتي في اللغة بمعنى: جعل الشيء واحداً، وأنت لا تستطيع الجعل فالجعل مستحيل في هذا الباب.

وكثير من الناس يظن أن (فعَّل) هنا تدل على الاختصار مثل: سبَّح ونحو ذلك، أي: قال أحد أحد، فليس (وحد) بمعنى: قال أحد أحد، بل المقصود بالتوحيد هو الإفراد، وحده بمعنى: أفرده بالعبادة، أو: أفرد التوجه إليه بالعبادة.

قوله: (جلّ) هذا ثناء عليه.

(بالعبادة) أي: بجنسها الذي يشمل الأقوال والأفعال وأنواع العبادات والقربات، فيشمل ذلك الفرائض والسنن والمندوبات، ويدخل فيه كل ما يتقرب به إليه سبحانه وتعالى.

ما معنى إفراده بالعبادة؟ المعنى: ألا يشرك العباد في جنس ما يسمى عبادة، بحال من الأحوال، فمن جنس العبادة مثلاً الصلاة والدعاء والذكر ونحو ذلك، فهذه لا يشرك فيها أحد مع الله سبحانه وتعالى بوجه من الوجوه.

وأما شكر الناس فقد جاء فيه: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله)، وجاء الأمر بالشكر للوالدين في قول الله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:١٤]، فليس ذلك من الإشراك في جنس العبادة باختلاف النوعين، فالشكر لله سبحانه بصرف ما أنعم به عليه في طاعته، والشكر للوالدين أو لمن أحسن إليك بالدعاء له وبمدحه بما يستحق ومجازاته عليه.

فإذاً هناك فرق بين شكر الله وشكر عباده، فشكر الله هو صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه به في طاعته، وشكر العبد هو فعل ينبئ عن تعظيمه بسبب كونه منعماً أو بسبب كونه متفضلاً.

وكذلك ما جاء في قول الرسول صلى الله عليه وسلم للأنصاري حين سأله: كم أجعل لك من صلاتي؟ فالمقصود ما يجعل له من دعائه؛ لأن هذا الأنصاري كان يدعو لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع نفسه لمحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكثر من الدعاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا جعل دعاءه له كله يُكفى ما أهمه.

فاتضح من هذا أن المقصود بما يجعل له من دعائه ليس دعاء شخص، إنما هو أن يصلي عليه، فلو اقتصر في الدعاء على الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقط ولم يدع بغير ذلك فإنه يحصل له ثواب الداعين، ويستجاب له في قضاء حوائجه الأخرى، ويكفى كل ما أهمه.