[وجوب الإيمان بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به]
وأن أحمد رسوله إلى الـ خلق أمينه على ما قد نزل من وحيه أي: مما يجب الإيمان به والتصديق: أن أحمد رسول الله إلى الخلق، وأحمد هو اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أفعل تفضيل من الحمد، وهو أحمد الخلق لله، وهذا الاسم هو اسمه في الإنجيل في بشارة عيسى به، كما قال عز وجل حاكياً عن عيسى عليه السلام: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:٦].
وقوله: (رسوله): هذه شهادة أن محمداً رسول الله.
وقوله: (إلى الخلق): معناه إلى الثقلين الإنس والجن، وهذا عموم رسالته، وهو من خصائصه صلى الله عليه وسلم بخلاف من سبقه من الرسل؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (كان الرسول يرسل إلى قومه خاصة وبعثت إلى الأحمر والأسود)، وفي رواية: (وبعثت إلى الناس كافة).
وقد دل الدليل كذلك على بعثه إلى الجن بآية الأحقاف، وسورة الجن، وغير ذلك.
وقوله: (أمينه على ما قد نزل من وحيه)، أي: قد اختاره الله تعالى فائتمنه على وحيه، وهذا أعلى درجات التفضل على العبد، فأعلى درجات التفضل على العبد أن يختاره الله أميناً على وحيه؛ فالرسالة هي أعظم مراتب التفضل والنعم، فنعمة الإيمان نعمة عظيمة، لكن فوقها نعمة الولاية لله تعالى، ثم نعمة الرسالة والنبوة هي أعظم النعم.
وقوله: (أمينه على ما قد نزل من وحيه)، أي: الذي أوحي إليه هو من القرآن، وهو أيضاً مصدق لما بين يديه، ومهيمن على جميع ما قد نزل من وحيه.
[من وحيه فكل ما عنه نطق من أمر دنيانا وأخرانا فحق] كل ما نطق به النبي صلى الله عليه وسلم سواء تعلق بأمر الدين أو بأمر الدنيا، فهو حق.
وقوله: (من أمر دنيانا): مثلما يقع من الفتن والحوادث وأشراط الساعة.
وقوله: (وأخرانا): مثل المحشر وما بعده.
وقوله: (فحق): يجب الإيمان به.
ثم مثل له فقال: [كالحشر والنشر وكالعذاب في القبر والتمييز للمرتاب] النشر هو: البعث بعد الموت.
وقوله: (وكالعذاب في القبر) هذا قد سبق شرحه في الدروس الماضية.
وقوله: (والتمييز للمرتاب) هذا يتعلق بالسؤال من نكير ومنكر، وهذه فتنة القبر، والسؤال من نكير ومنكر هو سؤال الملائكة.
وقوله: (والتمييز للمرتاب) أي: من الموقن، كما في الحديث: (قد علمنا إن كنت لموقناً).
(والوزن): كذلك وزن الأعمال، وقد سبق ذكر الموازين القسط.
والمسير على الصراط: كذلك المرور على الصراط والمسير عليه.
ومصير السالك جنة أو ناراً: كذلك مما يجب الإيمان به مما أخبر به الجنة والنار، وأنهما مصير السالك طريق الصراط، إذ لابد أن يكون مصيره إما إلى جنة وإما إلى نار.
وهكذا يجب الإيمان بغير ذلك مما أخبر به من أشراط الساعة ومشاهد القيامة، فكل هذا مما يجب الإيمان به، وتصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر به من ذلك.
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم، وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم اجعل حبك أحب إلينا من أنفسنا وأهلينا ومن الماء البارد.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا، ولا تجعل إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا.
اللهم استعملنا في طاعتك، واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
اللهم أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأنصر من ابتغي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك، والفرد لا ند لك، كل شيء هالك إلا وجهك، لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصى إلا بعلمك، تطاع فتشكر، وتعصى فتغفر، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حلت دون النفوس، وأخذت بالنواصي، ونسخت الآثار، وكتبت الآجال، القلوب لك مفضية، والسر عندك علانية، والحلال ما أحللت، والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، والأمر ما قضيت، والخلق خلقك، والعبد عبدك، وأنت الله الرءوف الرحيم، نسألك بعزك الذي لا يُرام، وبنورك الذي أشرقت له السماوات والأرض، وبكل حق هو لك، وبحق السائلين عليك؛ أن تقيلنا من العثرات، وأن تجيرنا من النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.