إذا قصر الإنسان في رواتب الصلاة فلابد أن تقع في الصلاة خدوش، وما يشكوه الناس من جمود الدموع، فإذا قرئ القرآن لا يبكون، مع أنه لو قرئ على الجبال لتفجر منها الماء، {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الحشر:٢١]؛ سببه التقصير في العبادة.
وما يشكوه الناس من عدم الخشوع في الصلاة سببه التقصير في النوافل، وأنتم تعرفون أن كثيراً من الناس يطمئنون في الفريضة ما لا يطمئنون في النافلة، وإذا أراد أحدهم أن يصلي النافلة نقرها نقراً ولم يبال بها، حتى في الاستقبال وفي الالتفات وفي عدم تسوية الظهر في الركوع وغير ذلك، وإذا أراد أن يؤدي الفريضة حاول إتقانها، لكن لا يمكن أن يتقن الفريضة ما دامت نافلته هكذا.
فالنفل هو سياج الفرض، وكل خدش فيه سيصل إلى الفرض، ولذلك مثل العلماء للنافلة -وبالأخص الرواتب للصلوات- بأنها كلحاء العود، وإذا انتزع اللحاء يبس العود -اللحاء: القشر- والذين يقصرون في عبادة الله سبحانه وتعالى، لا يمكن أن يكونوا من أوليائه؛ لأن أولياءه هم الذين يأنسون به سبحانه وتعالى، فلا يحزنون عندما يحزن الناس، وإذا جاءت المصائب عرفوا أنها من عند الله، وأنها كانت مكتوبة قبل أن تكون، فرضوا بما قدره الله، وإذا جاء الرخاء والسراء لم يغتروا بذلك؛ لعلمهم أن ذلك كان مكتوباً وله أجل مسمى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}[الحديد:٢٢ - ٢٣].