أما في جانب العبادة فمن المعلوم كذلك أن الله سبحانه وتعالى أعطى للمخلوق حقوقاً، فلعينه حق، ولزوره حق، ولأهله حق ولعمله الدنيوي حق، ولغرمائه حق، ولذريته حق، ولجيرانه حق، ولدعوته حق، وهذه الحقوق لابد من أدائها، فمن أداء حق الله الحرص على أداء كل حق رتبه الله، والذين يتغافلون عن هذا أو ينسونه إنما يجعلون العباد نداً لله فيظنون أن تلك الحقوق ند لحق الله، وهذا غاية في الانحراف؛ لأن تلك الحقوق ما رتبت إلا بترتيب الله.
فمن حق الله عليك أن تنام عند حاجة بدنك إلى النوم، ومن حق الله عليك أن تأكل عند حاجة بدنك إلى الأكل، ومن حق الله عليك أن تشرب عند حاجة بدنك إلى الشرب، ولذلك أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنكار البالغ، على الرجل الذي كان قائماً في الشمس لا يستظل، وبين أن هذا من الغلو الشديد، وأن من رغب عن سنته فليس منه، وأنكر كذلك على الثلاثة الذين قال أحدهم: أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر: وأما أنا فأقوم ولا أرقد، وقال الثالث: وأما أنا فلا أتزوج النساء، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً حتى عرف الغضب في وجهه وقال:(أما أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).
ونهى الذين أرادوا التبتل ومنهم عثمان بن مظعون رضي الله عنه، ونهى أيضاً الحولاء بنت تويت وكانت امرأة من بني تيم بن مرة، كان ينفق عليها أبو بكر، فكانت تقوم الليل كله ولا تنام، وكانت تصوم الدهر كله، فجاءت تزور عائشة رضي الله عنها، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من هذه؟ فقالت: فلانة.
تذكر من صلاتها وصيامها -أي: تثني عليها عائشة بذلك- فقال رسول الله:(مه! اكلفوا من الأعمال ما تطيقون، إن الله لا يمل حتى تملوا).
ومعناه: اجتهدوا أن تؤدوا من الأعمال الصالحة ما تطيقون فقط، ولا تكلفوا أنفسكم ما لا تطيق.
وقال لـ عبد الله بن عمرو بن العاص حين كان شاباً قوياً فكان يصوم النهار دائماً ويقوم أكثر الليل:(إن لعينك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه)، وأمره أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر فقال: إني أستطيع أكثر من ذلك، فأمره أن يصوم يومين من الأسبوع: الإثنين والخميس، فقال: إني أستطيع أكثر من ذلك، فأمره أن يصوم صيام داود: أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، فلما كبر عبد الله وضعفت سنه قال: ليتني أخذت برخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعندما دخل في اليوم العشرين من رمضان، والرسول يريد أن يدخل معتكفه فرأى الأخبية في المسجد قد كثرت فقال:(ما هذا؟ فقيل: أمهات المؤمنين يعتكفن فقال: آلبر ترون بهن؟).