بعد هذه الشفاعات تأتي شفاعة مختصة برب العالمين، وهي أنه إذا انتهت شفاعة الشافعين، ومكث أهل النار فيها ما مكثوا، فإن الله تعالى يقول: انتهت شفاعات الشافعين، وبقيت شفاعة أرحم الراحمين، فيؤمر بأقوام قد اسودوا وامتحشوا فيخرجون من النار، وهؤلاء هم الذين قالوا: لا إله إلا الله، ثم الذين في قلوبهم مثقال ذرة من إيمان، أو الذين في قلوبهم مثقال خردلة من إيمان إلى آخره، وهؤلاء يتفاوتون بحسب ذلك، فأول من يأمر الله بإخراجهم من النار بعد نهاية شفاعة الشافعين من قال: لا إله إلا الله، ثم بعد ذلك من كان في قلبه شيء من إيمان، ثم من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، ثم مثقال ذرة من إيمان، وهكذا.
وهذه الشفاعات ليست التي فيها الحثيات، بل هؤلاء يخرجون من النار بشفاعة أرحم الراحمين.
ثم بعد هذه تأتي الشفاعات الأخرى ومنها: الشفاعة الخامسة: الشفاعة في إخراج المذنبين من الموحدين من النار، فإن أهل التوحيد من كل الأمم يدخلون النار بمعصيتهم، ويخرجون منها بإيمانهم، من شاء الله له منهم ذلك، ومن شاء الله عفا عنه ولم يعذبه أصلاً، ومن شاء عذبه في البرزخ عذاب القبر ويذهب عنه به عذاب النار؛ لأن عذاب القبر من مكفرات الذنوب، ومن شاء عذبه بناره لكنه لا يخلد فيها، فمن كان من أهل الإيمان لا يخلد في النار، وهؤلاء يخرجون منها بالشفاعات، شفاعة الرسل والأنبياء والصالحين والملائكة، فهذه الشفاعة عامة شاملة من ناحية الشافع، خاصة من ناحية المشفوع، فهي مختصة بالذين في النار من أهل الإيمان.
ثم الشفاعة السادسة: وهي الشفاعة في الحقوق، فإن بعض الناس يأتي وله حقوق على غيره، فيجازيهم الله عنها بالشفاعة، ويقول:(يا عبدي! لك على فلان كذا وكذا، أيرضيك أن أعطيك كذا فتسامحه؟).
ثم بعد هذا الشفاعة السابعة: وهي الشفاعة في تخفيف العذاب عن بعض المجرمين من المؤمنين، وهؤلاء لا يصلون إلى درجة الخروج من النار، ولكنهم يخفف عنهم العذاب بشفاعة الشافعين كنقص المدة ونقص أنواع العقاب، نسأل الله السلامة والعافية! ثم الشفاعة الأخيرة: الشفاعة لأهل الجنة في إعلاء منزلة بعضهم، وجمعه بأهله وأقاربه، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}[الطور:٢١]، وفي القراءة الأخرى (ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء).
فهؤلاء تلحق بهم ذرياتهم، وتجمع معهم، والذرية تطلق على الآباء والأبناء، فمن إطلاقها على الآباء قول الله تعالى:{وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}[يس:٤١]، فذريتهم التي حملت في الفلك المشحون معناها: آباؤهم الذين حملوا مع نوح.
وإطلاقها على العقب مثل قوله تعالى:{وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ}[الأنعام:٨٤]، الآية.