للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[واجب المسلم تجاه أنظمة الحكم الديمقراطية والانتخابات]

السؤال

ما هو واجب المسلم اليوم تجاه الحكام الذين يحكمون البلاد الإسلامية وديمقراطيتهم، على ضوء ما ذكرتم في معرض حديثكم عن شروط من ولي أمر شعب من شعوب هذه الأمة، وهل يلزم المسلم أن يقاطع جميع أنواع الانتخابات، وهل لهؤلاء الحكام من طاعة على المسلمين، وكيف تكون المواجهة ضد الأنظمة؟

الجواب

هنا عدد من الأسئلة، السؤال الأول فيما يتعلق بموقف المسلم: فإن موقف المسلم واضح، وهو ما شرط الله عليه: أن يكون ولاؤه لله تعالى ونصرته له، وألا يعدل عن ذلك، وألا يختار به عرضاً من الدنيا، وإذا كان الحامل له على ترك مسئوليته الخوف فالله أحق أن يخشى: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب:٣٧]، والله تعالى يقول: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٧٥]، ويقول: {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} [المائدة:٤٤].

وعلى هذا فإنه يجب عليه السعي من أجل التغيير، تغيير عقليات الناس وإصلاح الأحكام الموجودة، وهذا أيسر وأسهل، وإذا امتنعت عن الإصلاح فلا يمكن أن يستسلم لها، بل لابد من تغييرها هي أيضاً، لكن لابد أن يكون ذلك بوسائل شرعية، ولابد أن تكون الوسائل أيضاً مضمونة ليس فيها حيف ولا جور ولا ظلم، ولا تجاوز لحدود الله سبحانه وتعالى بأي وجه من الوجوه.

أما موقف المسلم من الديمقراطية: فإن الديمقراطية أمر واقعي يعيشه المسلمون، قد فرض عليهم في ديارهم لم يخرجوا للمطالبة به، ولو طالبوا به لم يعطوه، ولكنه أسلوب فرضه الغربيون على مستخلفيهم في ديار المسلمين، فأصبح واقعاً يعيشه الناس، فإما أن يعتزلوه ويتركوه فيكون هذا تمكيناً لأعدائهم من السلاح الذي يقتلونهم به، فيكونون حينئذٍ مهمشين لا دخل لهم في هذه الحياة، ولا يستشارون على أي شيء، ولا يشاركون في أي شيء، وتتمحض الكلمة للباغي، وهذا ممنوع شرعاً.

فلابد أن يحاولوا استصلاح الموجود والمشاركة فيه إذا كان يؤدي إلى نتيجة، أما إذا أيقنوا أنه تزوير وتزييف محض وليس فيه أي نتيجة مضمونة، وليس فيه أي مصلحة لدين الله ولا لرفع الظلم ولا لتقليله، فلا يحل لهم المشاركة فيه؛ لأن ذلك يعطي شرعية لهذا الحكم المخالف لحكم الله سبحانه وتعالى الذي تشريعه كفر؛ لأنه تشريع ما لم يأذن به الله.

أما المشاركة في انتخاب أي فرد من الأفراد فإن على من شارك في انتخابه أن يعلم أنه مسئول عن تصرفاته، فإن كانت تصرفاته آثمة خاطئة فإن عليه جزءاً من إثمها؛ لأنه ما وصل ذلك المرشح إلى السلطة إلا بتصويته هو، وإن كانت تصرفاته رشيدة حكيمة فليعلم أن له أيضاً قسطاً من أجرها؛ لأنه الذي شارك في إيصاله إلى مكانه، وعليه فعلى الإنسان قبل أن يشارك فيها أن يعلم أنه مسئول عن النتيجة، ومسئول عما يترتب عليها من أعمال، وما يترتب عليها من قرارات، وسيسأله الله سبحانه وتعالى عن كل ذلك.

وعليه؛ فإن الناس في هذا المجال يتفاوتون ودرجاتهم مختلفة، وقد قال مالك رحمه الله تعالى حين سئل عمن خرج على وال فاسق فأراد إزالته وانتزاع ما تحت يده، هل يجوز لنا نصرته؟ فقال: إن كان الوالي الذي يراد إزالته مثل عمر بن عبد العزيز فادفع عنه، وإن لم يكن مثله فدعه وما يريد منه، ينتصر الله من الظالم بالظالم ثم ينتصر من كليهما.

وقال سحنون رحمه الله تعالى: إذا كان القائم، أي: الثائر، عدلاً وجب القيام معه لينصر دين الله، وإن كان فاسقاً فدعه وما يطلب منه، ولا يحل لك دفعه عن الظالم.

وقال العز بن عبد السلام رحمه الله: فسق الأئمة يتفاوت، فمنهم من يكون فسقه في الدماء، ومنهم من يكون فسقه في الأبضاع، ومنهم من يكون فسقه في الأموال، فيقدم الذي يفسق في الأموال على الذي يفسق في الأبضاع، ويقدم الذي يفسق في الأبضاع على الذي يفسق في الدماء، لما بين المضرتين والمفسدتين من الفرق، فكل مفسدة تدفع بها التي هي أعظم منها.

وأما ما لهم من الطاعة فإنه لا يترتب على الانتخابات ولا على قيام الدول غير الإسلامية أي حكم شرعي يختص، فمن قام كمن لم يقم، ومن انتخب كمن لم ينتخب، فلا فرق شرعاً، ولا يترتب على هذا أي حكم شرعي؛ لأن منطلقه غير شرعي، فلذلك كان المعدوم شرعاً كالمعدوم في الواقع، لا يعتبره الشرع وجوداً وكأن شيئاً ما حصل.

أما المواجهة: فإن المواجهة لا يقدر عليها إلا من يطيقها ولا تجوز إلا لمن يستطيع ذلك، وإذا استطاعه فلا تجوز أيضاً إلا وفق ضوابط شرعية، لا يكون فيها الاعتداء على أرواح الناس ولا على ممتلكاتهم ولا على أعراضهم، ولا تؤدي إلى فتنة غير محسومة، ولهذا فإن ما يحصل في كثير من البلدان يؤدي إلى فوضى لا حصر لها، فلابد وأن تكون الأمور مدروسة النتائج والعواقب، وأن تكون وسائلها واضحة شرعاً وضوحاً لا يختلف فيه الناس، وبالأخص أن القرار الذي يتخذ في مثل هذا قرار على الأمة، فلا يمكن أن يصادر الإنسان قرارات الأمة ومصالحها حتى يستشيرها ويرى رأيها.