للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من أسس ومقومات شخصية المسلم المقوم الاقتصادي]

ثم المقوم الاقتصادي في شخصية المسلم: ومبناه على أن المسلم يعلم أن الأرض وما فيها لله وحده، وأن الرزق بيد الله، وأن المال مال الله، وما جعل تحت يده منه فليس له، وإنما هو أمانة عنده يتصرف فيها تصرف الوكيل ينتظر العزل في كل حين، والعزل إما أن يكون بالموت، وإما أن يكون بحجر، وإما أن يكون بالافتقار، وإما أن يكون بالسجن أو غير ذلك، وهذا ما نبه الله عليه بقوله: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد:٧] فهذا المال ليس لنا وإنما هو لله ونحن مستخلفون فيه مدة محددة لا نعلمها، ولكنها ستنتهي، فتارة يكون الإنسان غنياً وتارة يكون فقيراً، وتارة يتعاقب عليه الأمران، وكثير من الناس من ينظر إلى ذوي العروض فيظنهم أغنياء، والواقع أن كل واحد منهم يعتريه الفقر يومياً؛ لأن الفقر ليس معناه أن لا يكون الإنسان قادراً على الاكتساب، بل المقصود به أن تعرض له حاجة فلا يجد ما يحققها به.

فما من غني على وجه الأرض إلا ويعتريه الفقر عدة مرات يومياً، تعرض له كثير من الحوائج ولا يستطيع قضاءها، وهذا هو الفقر بعينه، فما الفرق بينه وبين الفقير في الحوائج الأخرى؟ الجميع فقراء إلى الله والله هو الغني الحميد، ومن هنا فنظرة المؤمن الاقتصادية أنه لا يحزن إذا حصلت الندرة في المواد، ولا يفرح ويبطر إذا حصل فيها الرخاء والاستمرار، لعلمه أن ذلك متعاقب، وتلك الأيام نداولها بين الناس، وأن الأمر كله بيد الله، ومن هنا فتصرفه في كل ذلك مضبوط بضوابط الشرع، فإذا حصل تضخم أو انكماش في الاقتصاد لم يقتض ذلك منه عدولاً عن الحق الذي جاءه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقتض ذلك منه ادخاراً لأكثر من حاجته، ولم يقتض منه كنزاً لما لا يزكى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:٣٤ - ٣٥].

هذه مقومات شخصية المسلم، وعلى كل واحد منا أن ينظر إلى تنوعها واتساعها، فيرى شمول هذا الدين واتساعه وتميز أهله في مختلف الجوانب، ويعلم بذلك أن هذا الدين دين الله وليس دين الناس، وأنه هو الكفيل بقضاء حوائج الناس ومصالحهم كلها، ما كان منها دنيوياً وما كان أخروياً، وأنه لا يعتريه النقص وإنما يعتري النقص الناس، فهم الذين يقصرون في التطبيق والأخذ بالدين، أما الدين نفسه فقد أكمله الله (اليوم أكملت لكم دينكم).

ومن هنا يتشبث المؤمن بهذه القيم والمبادئ التي تميزه عمن سواه، ويعلم أن شرفه وعزه ومكانته مرتبطة بهذه القيم، وإذا فرط في شيء منها انتقص ما يقابل ذلك، فلله العزة ولرسوله وللمؤمنين؛ ولذلك لا يمكن أن يبتغي العزة في غير الدين، لعلمه أن عزته مرتبطة بهذه القيم.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يجعل ما نقوله ونسمعه حجة لنا لا علينا، وأن يهدينا سواء السبيل، اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وفيما أنزلت فيه من الآيات والذكر الحكيم، اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.