وكذلك فإن من الاعتراضات التي يعترض بها في هذا الباب القوامة التي جعلها الله تعالى للرجال على النساء؛ فإن الله عز وجل قال:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}[النساء:٣٤].
وهذه القوامة تقتضي الإشراف والنفقة، والقيام بالحقوق والحضانة، والدفاع عنها وإرشادها لما فيه مصلحتها، وهي تشريف شرف الله به الرجال في مقابل تشريف آخر شرف به النساء، وذلك أن الله عز وجل هو الحكم العدل، فجعل في الدنيا أمرين: الماديات والمعنويات، فشرف الرجال بأهم ما فيها من المعنويات وشرف النساء بأهم ما فيها من الماديات، فالنساء شرفهن الله بالذهب والحرير وحرم ذلك على الرجال، والرجال شرفهم الله تعالى بالقوامة، وحرم ذلك على النساء في الأمور العامة مثل الإمارة وإمامة الصلاة، وقوامة البيت، وغير ذلك.
هذه أمور معنوية شرف الله بها الرجال، وحظرها على النساء، وفي المقابل شرف النساء بأشرف الماديات من الذهب والحرير، وغير ذلك من الأحجار الكريمة التي يمنع استعمالها على الرجال، وهذا عدلٌ من الحكم العدل، فلماذا لا يعترض على تحريم الحرير والذهب على الرجال ويعترض على تحريم القوامة على النساء؟ إن هذا العنصر الذي هو المرأة عنصرٌ فعال مؤثر، فلذلك يحتاج إلى توجيهه توجيهاً صحيحاً ليتمكن من القيام بدوره الواجب، ولا شك أن أصل خلقة النساء تقتضي منهن لطفاً وعاطفةً زائدة، ولهذا أوجب الله عليهن الحضانة والتربية، والقيام بأمور البيت، وهذه حقوق لا يمكن أن تنكر؛ فهي مما يتعارف على أنه يختص بالنساء في كل أمةٍ وفي كل حضارة، ولا يمكن أن تسند إلى الرجال أبداً.
لكن المشكلة أن الذين يدعون إلى تحرير المرأة يلزمونها بهذه الحقوق، ويوجبون عليها حقوقاً أخرى، وهي الحقوق الواجبة على الرجل، فيكبلونها بقيدين: القيد الأول: الحقوق التي كانت واجبة على النساء وهي مناسبةٌ لهن وملائمة لهن.
والقيد الثاني: الحقوق الواجبة على الرجال، والتي هي مناسبة لخلقة الرجال وقوتهم، وهذا زيادة في التكاليف دون مقابل، والحكم العدل اللطيف الخبير أعلم بالمصالح، وهو الذي يقول في كتابه:{مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}[الكهف:٥١].