وعموماً فإن المسألة مسألة خلاف فقهي، ولكن الأحوط فيها والأقرب للحق أن لا يفعل الإنسان هذا وإن كان السلف قد اختلفوا فيه، وليجتنبه بالكلية.
وقد تركه الصحابة رضوان الله عليهم، فقد كانوا يتوسلون بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته كما ثبت في كثير من الأحاديث، كما في حديث أنس وغيره أن أعرابياً أتاه وهو على المنبر فقال:(يا رسول الله! هلكت المواشي وتقطعت السبل فادع الله لنا، فرفع يديه ودعا، فظهرت سحابة صغيرة من قبل سلع، فأبرقت وأرعدت ثم أمطرت أسبوعاً، فجاء ذلك الرجل ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: يا رسول الله! هلكت البهائم وانقطعت السبل فادع الله أن يصرفه عنا، أو فاستصح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم على الجبال والآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر)، فانجابت تلك السحابة حتى رأوا الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لو كان أبو طالب حياً لسره هذا)، ويقصد بذلك قول أبي طالب في مدحه صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل تلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل والمقصود بـ (يستسقى الغمام بوجهه): بدعائه وتوجهه إلى الله في ذلك، لا بشخصه.
وعندما جاء عام الرمادة في خلافة عمر رضي الله عنه، وصلى عمر بالناس الاستسقاء توسل بـ العباس بن عبد المطلب فتقدم فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم لتسقينا، وإذ قبضته إليك فإنا نتوسل إليك بعم نبينا، يا عباس قم فادع، فتقدم العباس فدعا وقال: اللهم إنه لم تنزل مصيبة إلا بذنب ولم ترفع إلا بتوبة، ودعا دعاءه البليغ المشهور، فرفع الله عنهم ما كانوا فيه.
فهذا دليل من فعل هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم، حيث لم يتوسل عمر برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته بشخصه؛ لأنه لو كان التوسل بشخصه فإن جاهه لم يتأثر بموته صلى الله عليه وسلم ولم ينقص جاهه عند الله بعد أن مات، ولم تنقص كرامته على الله، بل ما زالت كرامته كما كانت، لكن إنما كانوا يتوسلون بدعائه في حياته، وأما بعد موته فإنما يتوسلون بدعاء الأحياء الذين يتضرعون إلى الله؛ لأن المقصود بالدعاء أصلاً الضراعة إلى الله وإبداء الذلة والمسكنة بين يديه، وهذا إنما يمكن من الأحياء.
هذا ما يتعلق بقوله:[واجتنبوا الشرك الجلي والخفي ولو بما فيه اختلاف السلف] فما فيه اختلاف السلف يشمل ثلاثة أمور من أنواع الشرك: فما يتعلق بشرك العبادة، ذكرنا أن بعضهم كان يدبر بعض الأمور فيلهى عن الصلاة، وأن بعضهم قال: طلبنا الإيمان أن يكون لغير الله فأبى أن يكون إلا لله، ونحو ذلك.
وما يتعلق بشرك الدعوة ذكرنا فيه قضية التوسل بشخص النبي صلى الله عليه وسلم.
وما يتعلق بالشرك في التشريع طبعاً ليس لهم فيه اختلاف، وما يتعلق بشرك الطاعة قد يحصل من بعضهم شيء من هذا، ولكنه يرفعه ما عرف عنه من إيمان وضراعة إلى الله سبحانه وتعالى وتقرب إليه، فلا يمكن الاستدلال بحال بعض أولئك.