[ظهور الحق مع قوة الباطل وطغيانه]
والغريب أن يغتر الإنسان بسلطانه فيظن أنه سيكمم أفواه الخلائق جميعاً، وقد قال الله تعالى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:٨٩]، أيظن أنه يستطيع أن يكمم أفواه الملائكة؟! أيظن أنه يستطيع أن يكمم أفواه الرياح؟! إن الحق إذا لم ينطق به البشر نطقت به الملائكة ونطقت به الرياح، وقد قال الله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} [النمل:٨٢]، إذا لم يقم به أهل الأرض قام به أهل السماء، ولذلك لا تظنوا أن الحق سيخنس أبداً، بل لابد أن يقوم به قائمون لله تعالى لا يخافون في الله لومة لائم، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:٥٤ - ٥٦].
أسمعتم هذه الصفات التي بين الله تعالى، والتي لم تجدوا فيها الذين يكممون أفواه الناس عن الحق، والذين يوزعون الأوامر في القرى والأمصار ألا يتكلم بالحق على المنابر، والذين يوزعون الأوامر في القرى والأمصار أن يعتقل كل من قال الحق، هل تجدون هذا الوصف في هذه الآيات؟ أبداً، إنما جاءت على خلافه وتكذيبه، وإبطال ما يدعيه أصحابه، فأولئك لا خلاق لهم، وإنما سلطهم الله على أنفسهم بذلك، ولا يضرون إلا أنفسهم، ولا يضرون الله ولا رسوله ولا دينه شيئاً، وسيندم من عاش منهم غاية الندم، أما من مات منهم على ذلك قبل توبته فسيعجل له عقابه، نسأل الله السلامة والعافية.
عباد الله! إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى فيه بملائكته، وثلث بكم معاشر المؤمنين، فقال جل من قائل كريماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، اللهم صل وزد وبارك على نبينا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وأوهن كيد الكافرين، وانصرنا عليهم أجمعين، اللهم أظهر دينك وكتابك على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم من أراد المسلمين أو الإسلام بسوء فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميره، واجعل دائرة السوء عليه، وأدخله في ردغة الخبال، وسل عليه سيف الذل والوبال، وأرنا فيه عجائب قدرتك، وأنزل به المثلات، وأنزل به بأسك الذي لا يرد على القوم المجرمين، وائته من حيث لا يحتسب، وسلط عليه ما لا يستطيع الخلاص منه، اللهم شل أركانه، وهدّم سلطانه، وأخرس لسانه، وشتت أعوانه، وأبدلنا خيراً منه مكانه.
اللهم فرج همنا، ونفس كربنا، اللهم عجل الفرج لنا أجمعين، اللهم عجل فرجنا وعجل مخرجنا، وانتقم لنا ممن ظلمنا وممن أعان على ظلمنا.
اللهم فرق رأيهم، وشتت شملهم، واجعل كيدهم في تضليل، وأرنا فيهم عاجل انتقامك يا قوي! يا عزيز! اللهم كن للمستضعفين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم كن للمسلمين في فلسطين وفي العراق وفي كشمير وفي الشيشان وفي أفغانستان، اللهم ارفع عنهم البلاء، اللهم انصرهم على أعدائهم، اللهم أنزل بأسك ورجزك وسخطك وعذابك على كفرة أهل الكتاب الذين يحاربون أولياءك، ويصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، اللهم أنزل بهم المثلات، اللهم اهزمهم شر هزيمة، وأخرجهم من بلاد المسلمين صاغرين مهزومين يا ذا القوة المتين! اللهم إنهم قد طغوا وبغوا وبذلوا ما يستطيعون من الفساد في الأرض، اللهم اضربهم بسوط عذاب من عندك، ترينا به عاجل عقوبتك وسريع أخذك فيهم يا قوي! يا عزيز! اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم اغفر لنا حوبنا وسيئاتنا كلها يا قوي! يا رحمان! يا رحيم! اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، وفك أسرنا وأسر المأسورين من المسلمين أجمعين.
اللهم إننا نسألك أن تجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين! اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والمحن، وجميع الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا أرحم الراحمين! اللهم ول أمورنا خيارنا، ولا تول أمورنا شرارنا، واجعل المال في أيدي أسخيائنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك، وأقام منهجك، ولم تأخذه فيك لومة لائم، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، واختم بالحسنات آجالنا، واجعل خير أيامنا يوم نلقاك.
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه شكراً حقيقياً يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، يغفر الله لنا ولكم.