كذلك فإن من آثار هذه الخشية، أنها تؤدي إلى البركة في العمر: فمدة بقاء الإنسان يسيرة جداً، مثلما عاش سحرة فرعون بعد الإيمان، فما كان قبل إيمانهم من أعمارهم لا يعد؛ لأن الإيمان يجبُّ ما قبله، فأعمارهم إنما هي تلك اللحظات التي مكثوها في الإيمان بعد أن ذاقوا طعمه وخروا سجداً لله تعالى، فإنهم قبل لحظات كانوا يحلفون بعزة فرعون، قال الله تعالى:{فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ * فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ * فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ}[الشعراء:٤١ - ٤٦]، في هذه اللحظة خروا سجداً لله تعالى وتابوا وأنابوا وعرفوا الخشية، فكانوا من الساجدين لله تعالى الخائفين منه في لحظة واحدة، لكن كانت هذه اللحظة مباركة حين أوصلتهم إلى الجنة، فعمر الإنسان ولو عاش ألف سنة على هذه الأرض ولم يوفق للطاعة، بل كان عمره سبباً لدخوله النار، لا فائدة منه.
ولو أنه عاش لحظة واحدة على الأرض، وكانت سبباً لدخوله الجنة، فهو عمر مبارك، ولا يضره ما فات من أعمار الناس، لا يضره ما لم يبلغه من أعمار الناس، ولذلك فإن خشية الله تعالى سرٌ لبركة العمر وفائدته، حتى لو كان قصيراً، ولو كان العمل فيه يسيراً، فإن الله سيبارك فيه ويتقبله من صاحبه.