بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من ضعف، وجعله قابلاً للنمو والتطور، وآتاه وسائل ذلك النمو والتطور، فيسر له سبل الهدى، وأعانه على ذلك بما آتاه من الجوارح المعينة على التدبر في آيات الله المسطورة والمنظورة ليزداد بذلك إيماناً ويقيناً؛ وليزداد في أخلاقه وفي سلوكه وفي أعماله كلها.
والإنسان محتاج إلى ذلك الازدياد بصورة مستمرة دائماً، ولهذا فإن الإنسان لا يتوقف نموه بالكلية إلا إذا هو أقبل على النقص، فالإنسان دائماً في مسير إما إلى الأمام وإما إلى الخلف، لكنه لا يمكن أن يتوقف مسيره، فهو في بداية نشأته نشأ ضعيفاً، ثم بعد ذلك وصل إلى القوة، ثم تراجع إلى الضعف والشيبة، ثم بعد ذلك الموت، وفي مسيره الأول من بداية نشأته لا بد أن يمر بأطوار كثيرة، كما قال نوح عليه السلام في دعوته:{وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا}[نوح:١٤]، وهذه الأطوار ذكر الله منها في كتابه تسعة هي قوله:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ}[المؤمنون:١٣ - ١٦]، هذه تسع مراتب من أطوار خلق الإنسان، وفي كلها تجد النمو والازدياد، وهذا النمو والازدياد ما كان مكتسباً منه هو الذي يسمى بالتربية.