[تكريم المرأة بين الجاهلية والإسلام]
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فإن موضوع المرأة أصبح من الموضوعات التي ينبغي أن يهتم بها الرجال والنساء في عصرنا هذا خصوصاً، لما أشاعه أعداء الإسلام فيه من الافتراءات وما روجوا فيه من الشبهات التي كان العالم في غنى عنها لولا هذه الترويجات المغرضة.
وذلك أن المرأة لا تتميز على غيرها من خلق الله تعالى إلا تميزاً بسيطاً فسيولوجياً هو الذي جعلها امرأة، وهذا التميز لا يقتضي أن تفرد بكلام، أو أن تفرد بتفكير، أو أن يكون لها وضع مستقل، فهي من خلق الله تعالى، ومن الذين أرسل إليهم الرسل وامتحنوا بهذا الشرع، فإما أن يتبعوا وإما أن يضلوا، وكذلك إما أن يكونوا من أهل الجنة، وإما أن يكونوا من أهل النار.
ولكنه نظراً لبعض الأوضاع التي سادت في أوروبا وفي بعض البلدان الغربية فهضم فيه هذا الجنس من الناس وظلم، فجعلت المرأة بضاعة تباع وتشترى ويقصد بها الرزق، وتستغل كثيراً من أنواع الاستغلال، كانت النهضة الأوروبية الحديثة تجعل من مقوماتها ومن دواعي انتشارها، ومن أبواقها الإعلامية قضية تحرير المرأة.
ولا واقع لهذه القضية في بلاد المسلمين في الأصل إلا ما استوردت من أوروبا، ولم يستورد منها شيء إلا بعد نهضتها وبعد الثورة الفرنسية التي جاءت بإعلان حقوق الإنسان، ولذلك فإن اتخاذ المرأة بضاعة تباع وتشترى، واتخاذها ذريعة للإفساد في الناس واستغلالها بأنواع الاستغلال السيئ؛ كل هذه الأمور إنما توجد في العوالم المتخلفة.
ولهذا اشتهر في جاهلية العرب، أنهم كانوا يئدون بناتهم لئلا يشركنهم في مآكلهم ومشاربهم، ويئد بضعهم بناته خوفاً من الفضيحة، وكانوا كذلك لا يورثون النساء، لا من تركة الأزواج ولا من تركة الآباء، ولا الإخوة، وكانوا كذلك يكلفون الزوجة كثيراً من التكاليف، فكانت بمثابة الخادمة عند زوجها، وكان يضربها متى شاء ويؤذيها بأنواع الإيذاء.
وكانت كذلك إذا مات تعاني الأمرين، فتحبس في بيتها حتى تمضي سنة كاملة، لا تمس ماء ولا استحداداً ولا طيباً، ثم بعد ذلك يكون أكبر أولاده أولى بها من نفسها فإن شاء باعها لمن يدفع أكبر ثمن، وإن شاء خلف عليها واتخذها زوجة دون مهر.
وهذا الظلم كله نفاه الله عز وجل، وبدله الرسول صلى الله عليه وسلم، فأعاد للمرأة حقوقها كاملة، فحرم الرسول صلى الله عليه وسلم وأد البنات، وجاء ذلك في عدد من آيات القرآن، فقد قال الله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:٨ - ٩]، وكذلك جاء فيه قول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء:٣١] وكذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (وحرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات).
وكذلك حرم الرسول صلى الله عليه وسلم ضرب الزوجة، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يضرب أحدكم زوجه ثم هو ويضاجعها)، وفي رواية: (لا يضرب أحدكم امرأته ثم هو يضاجعها).
وكذلك حرم الرسول صلى الله عليه وسلم إيذائهن ومنعهن من التصرف المباح، فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن إذا خرجن تفلات).
وكذلك حرم الله عز وجل عضلهن، وحبسهن عن الزواج، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء:١٩].
وكذلك فرض الله لهن من الميراث نصيبهن وحظهن، فجعل للزوجة الربع من تركة زوجها إذا لم يكن له فرع وارث، والثمن إذا كان له فرع وارث، وجعل لبنت الصلب وحدها النصف، وللأخت الشقيقة وحدها النصف، وللعدد من بنات الصلب الثلثين إذا انفردن، وللعدد من الأخوات الشقائق الثلثين كذلك، وكذلك جعل للأخت للأم السدس إذا انفردت ويشتركن في الثلث إذا اجتمعن، ويستوي في ذلك الذكور والإناث من الإخوة للأم.
وكذلك جعل لبنت الابن عند انفرادها مثل ما لبنت الصلب، أي: النصف، وإن تعددن فلهن الثلثان، وإن كانت بنت الابن مع بنت الصلب فلها السدس تكملة الثلثين، وكذلك الأخت لأب، إذا انفردت ترث النصف بكامله، وعند التعدد يرثن الثلثين، وللأخت لأبٍ مع الأخت الشقيقة السدس تكملة الثلثين.