وهذا الأساس من أسس بناء شخصية المسلم في التعامل مع الناس: مقتض كذلك لتفاوت درجات الناس في الحقوق الشرعية، فأحق الناس بحسن صحابة الإنسان أمه، ثم بعدها أبوه، ثم أدناه فأدناه، وكذلك حقوق الجار الذي حض النبي صلى الله عليه وسلم على أداء حقوقه، وحقوق الضيف، وحقوق ذي الشيبة في الإسلام، وحقوق أهل العلم والدين، فهذه الحقوق أعلى مما سواها من حقوق عوام المسلمين.
ثم بعد ذلك حقوق الداعين والساعين في طريق الحق، وأدنى من ذلك حقوق عوام المسلمين الذين لا يلتزمون بجزئيات الإسلام، ولا يتبعون سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفصيلاته، لكن مع ذلك فإن حق الأخوة لا ينصرم ولا ينقطع إلا بالكفر بالله؛ ولهذا فقد أثبت الله الأخوة بين المؤمنين مع وجود الظلم والبغي في قوله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}[الحجرات:١٠] الأخوان هنا هما الباغي والمبغي عليه، فكلاهما أخوان لنا، فالأخوة الإيمانية لا ينقضها البغي والظلم، لكن حقوق أهلها متفاوتة على ترتيب الحقوق الشرعية.