للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حسن تعامل العبد مع ربه يقوم على ثلاثة أسس]

وهذا الأساس معناه أن الإنسان مضطر للتعامل مع غيره، وأولى من يتعامل معه ربه سبحانه وتعالى، فعليه أن يحسن المعاملة معه.

الأساس الأول: وهو أهم ضوابط إحسان المعاملة مع الله، الصدق في التوجه إليه، فإذا علم الله الصدق من عبده بالتوجه إليه هداه سبله وأراه طريق الحق وأخذ بناصيته إلى ذلك.

أما إذا رأى منه كذباً في التوجه إليه وأنه لم يكن صادقاً في ذلك فإن الله يغويه ويضله، كما قال الله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام:١٠٩ - ١١١]، إن صدق التوجه إلى الله سبحانه وتعالى يقتضي من الإنسان أن يتأدب مع الله في الأخذ وفي التلقي.

والأساس الثاني: أن يعرف نعمة الله ويقيدها بشكرها، وهذا أساس في التعامل مع النعم، فكثير من الناس لا يعرفون النعمة بوجودها وإنما يعرفونها بزوالها، فإذا فقدوا النعمة تذكروا أنهم كانوا في خير وعافية، وأن ذلك قد فارقهم فأسفوا وندموا!! وهذا مخالف لأساس شخصية المسلم؛ لقول الله تعالى: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد:٢٣].

{إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ} [المعارج:١٩ - ٢٢].

وعلى هذا فلابد أن نعرف نعمة الله بوجودها لا بزوالها، ثم بعد ذلك لا بد أن نعرف من أين أتت هذه النعمة، فكثير من الناس تطغيه النعمة فينسى من أين أتت، والله تعالى يذكر رسوله صلى الله عليه وسلم بمصدر نعمته عليه فيقول: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:١ - ٤] ويقول في السورة التي قبلها: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى:١ - ٨] فيذكره بمصدر النعمة.

كثير من الناس يجهل مصدر النعمة بالطغيان، يطغى بالنعمة فينسى مصدرها.

{كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:٦ - ٧]؛ ولهذا فإن قارون حين أغناه الله نسي مصدر النعمة، فقال: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص:٧٨].

والأساس الثالث في التعامل مع الله: هو تقييد نعمه بالشكر، ومعناه: أن كثيراً من الناس ينكر هذه النعمة بعد معرفته بها ومعرفته من أين أتت، كما قال تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} [النحل:٨٣]، وأهل الإيمان يعرفون نعمة الله ويقيدونها بالشكر، فإذا شرب الإنسان أو أكل قال: الحمد لله، فتذكر هذه النعمة عليه، وإذا استيقظ من نومه ورد الله عليه روحه تذكر هذه النعمة فقال: الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره، وإذا من الله عليه بالعبادة حمد الله على ذلك، وإذا قال: سمع الله لمن حمده يقول: ربنا لك الحمد، وهكذا فالنعم المتسلسلة يصاحبها ويحاذيها الحمد الذي هو قيدها، والشكر الذي هو سبب زيادتها، {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:٧].