الإيمان بالكتب السماوية إجمالاً وتفصيلاً
والإيمان بكتب الله عز وجل يقتضي الإيمان بها إجمالاً، أن الله أنزل على رسله كتباً من عنده لم يكذبوا فيها ولم يفتروها: {مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} [يوسف:١١١] , وأن هذه الكتب فيها تشريع يتلاءم مع القول الذي أنزلت فيه، وفيها ذكر لله، وكلها مجمعة على توحيده ومحبته والإيمان به.
ويجب الإيمان تفصيلاً بأربعة منها، وهي: التوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن.
فهذه الكتب الأربعة يجب الإيمان بها تفصيلاً، فالتوراة هي: الكتاب المنزل على موسى، والإنجيل هو الكتاب المنزل على عيسى، والزبور هو الكتاب المنزل على داود، والقرآن هو الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كان الإيمان بها يدخل في الإجمال؛ لأن القرآن لا يجب أن يحفظه الإنسان كاملاً عن ظهر قلب، ولكن يجب عليه أن يصدق أن الله أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا سمع شيئاً لا يعرف هل هو من القرآن أو لا لا يقتضي ذلك كفراً؛ لأنه غير ملزم بحفظ القرآن بكامله.
ومن هنا فإن كثيراً من الصحابة رضوان الله عليهم شغلوا بالجهاد ونشر الدعوة عن حفظ القرآن، فكان كثير منهم لا يحفظ القرآن بكامله، فكان خالد بن الوليد رضي الله عنه لا يحفظ القرآن كاملاً، وكان في أكثر أوقاته أميراً، والأمير يلزمه أن يصلي بالناس فهو إمامهم، والإمامة الصغرى فرع عن الإمامة الكبرى، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الأئمة في آخر الزمان لما سئل عن الخروج عليهم ومقاتلتهم قال: (لا.
ما أقاموا فيكم الصلاة) , والحديث في صحيح مسلم.
فقوله: (ما أقاموا فيكم الصلاة) معناها: ماداموا يصلون لكم أئمة ويخطبونكم على المنابر ويؤمونكم في المساجد فلا تخرجوا عليهم ولا تقاتلوهم، أما إذا تركوا ذلك فلا، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لا.
ما أقاموا فيكم الصلاة).
فـ خالد بن الوليد ما ترك الإمامة؛ لأنه مسئول عنها شرعاً، لكن لم يكن يحفظ القرآن بكامله، فكان إذا صلى صلاة من ذوات الطول يقرأ فيها من آيات معينة، ثم يأتي بسورة أخرى، ثم إذا سلم التفت إلى الناس فقال: (شغلنا بالغزو عن حفظ القرآن فقرأنا لكم ما تيسر منه) يقرأ تارة من البقرة، وتارة من النساء، وتارة من آل عمران.
كذلك لا يجب الإيمان تفصيلاً بما في التوراة وما في الإنجيل وما في الزبور، فما ورد في القرآن من ذلك فيلزم التصديق به، مثل التصديق بالقرآن، مثل قول الله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:٤٥] , وكذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:١٠٥] , وأما ما لم يرد في القرآن تصريح بنسبته إلى أحد هذه الكتب فلا يجب الإيمان به، ولا تصديق اليهود والنصارى فيه، بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد).
ولا شك أنهم قد حرفوا وبدلوا وغيروا، وشهد عليهم القرآن بذلك، ومن تمام تغييرهم أن الله أخذ عليهم العهد باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وقد عرفوه كما يعرفون أبناءهم، فلم يتبعوه ولم يصدقوه، وهذا غاية التغيير والإخلال بالعهد، فهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، ومع ذلك لم يصدقوه ولم يتبعوه، فهذا غاية التحريف والتبديل؛ لأن الله أخذ عليهم العهد المؤكد إذا أتاهم أن يؤمنوا به ويصدقوه.