المرتبة الثانية: هي ما يتعلق بفروض الكفايات من العربية، فقد افترض الله على المسلمين تعلم علوم العربية على سبيل الكفاية، فإذا قام به من تحصل به إقامة الحجة على الناس كفى ذلك، وهذا داخل في عموم قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ}[النساء:١٣٥].
فلا يمكن أن يكون الإنسان شاهداً لله إذا لم يكن فاهماً لما يشهد به؛ لأن العلم شرط في الشهادة؛ لقول الله تعالى:(وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ} [يوسف:٨١]، ولقوله تعالى: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:٨٦].
وفي حديث ابن عباس الذي أخرجه البيهقي في السنن بإسناد فيه ضعف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أترى الشمس إذا طلعت؟ قال: نعم.
قال: على مثلها فاشهد أو دع).
ومن هنا فلا يمكن أن يشهد الشاهد بما لا يعلمه ولا يفهمه، ولا بد أن يكون الإنسان فاهماً لما يشهد به حتى تقبل شهادته على ذلك، والله تعالى جعل هذه الأمة شاهدة على الناس، كما قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[البقرة:١٤٣].
ولا يمكن أن تتم الشهادة على الناس إذا كنت لا تفهم ما تشهد به، وليس هناك وسيلة للاطلاع من خلالها على أحوال الناس، وما كذبوا به أنبياءهم إلا القرآن، والقرآن بلسان عربي مبين، فإذا لم تفهم هذا فلا يمكن أن تكون شاهداً على الناس، فإذا جاء نوح يوم القيامة يخاصمه قومه، فقالوا: ما جاءنا من بشير ولا نذير، فقال: بلى، قد مكثت فيكم ألف سنة إلا خمسين عاماً، فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فإذا كنت لا تفهم الآيات التي جاءت في قصة نوح، فلا يمكن أن تكون من الشهداء على هذا؛ لأن الشهادة من شرطها العلم.
وفروض الكفاية في اللغة العربية هي بتعلم علومها الأساسية، وعلومها الأساسية هي أربعة عشر علماً، وهي كلها داخلة في فروض الكفاية، وإذا لم يكن في الأمة من يعلمها حصل الإثم على أفرادها جميعاً، وإذا كان فيها في كل بلدٍ من يعلم هذه العلوم بقدر رد الشبهات، وإجابة الأسئلة المتعلقة بالقرآن والسنة، سقط الإثم عن الجميع.
وفرض الكفاية قد اختلف العلماء: هل هو أفضل أم فرض العين؟ ولذلك قال السيوطي رحمه الله في الكوكب الساطع: فرض الكفاية مهم يقصد ونظر عن فاعل يجرد وذهب الأستاذ والجويني ونجله يفضلُ فرض العين وهو على كل رأى الجمهور والقول بالبعض هو المنصور فقيل مبهم وقيل عُيِّنَ وقيل من قام به فعلى هذا: هذه العلوم الأربعة عشر لابد أن يكون في كل حاضرة من حواضر المسلمين من يعرف منها ما يرد به الشبهات، ويجيب به الاختلافات التي يوردها الناس على الكتاب والسنة.