هل ما نشهده اليوم من تفريط بعض المسئولين والمتنفذين في أماناتهم واستيلائهم على ما تحت أيديهم من مال عام يدخل ضمن نطاق الجريمة في العرف الشرعي؟
الجواب
نعم، هذا من أبشع الجرائم وأعظمها؛ لأن ما ائتمن عليه الإنسان تضييعه له أعظم وأبشع مما ليس كذلك، فالمسئول الذي وضعت فيه الثقة وجعل على رأس مؤسسة وجعل تحت يده مال اليتامى والفقراء والمساكين والمحتاجين ومن لم يولدوا بعد، ينبغي أن يحترم نفسه، وأن يحترم ما جعل تحت يده، وأن يحترم أمانة الله التي ائتمنه عليها، وهو يعلم أنه منقول عن هذا لا محالة، ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك، وهو سائر عنها، إن لم يسر عنها في الصباح فسيسير عنها في المساء، وسيتركها وراء ظهره، والله تعالى يقول:{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ}[الأنعام:٩٤]، فلذلك على هؤلاء أن يتقوا الله فيما هم فيه، وليعلموا أن من أشراط الساعة: تضييع الأمانة؛ فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قالوا: وما تضييعها يا رسول الله؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) إذا وسد الأمر أي: وكل إلى غير أهله، فهذا من تضييع الأمانة، وهو شرط من أشراط الساعة وعلامة من علاماتها.
ولا شك أن هذا من الجرائم التي يجب تغييرها، فكل مدير ارتكب جريمة من هذه الجرائم فإن على الذين يعملون معه أن يضحوا بوظائفهم وبعلاقاتهم معه من أجل مكافحة الجريمة، فمكافحة الجريمة خير لهم من وظائفهم ومن علاقاتهم بمديرهم، فكثير من الناس لا يمنعه من مكافحة الجريمة إلا الجبن، أو التوكل على المخلوق، أو ظنه أنه يملك له من الله شيئاً، أو يمكن أن يرفع عنه ضرراً، أو أن يجلب له منفعة، والواقع خلاف ذلك.