والذين يمنعون الزكاة يتعرضون لكثير من الوعيد الشديد، فهذا الوعيد قسمان: قسم منه للأمة بكاملها، وفيه قول الرسول صلى الله عيله وسلم:(وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا).
القسم الثاني يختص بالمانع نفسه الذي لم يزك ماله وكنزه، فهذا متوعد بالوعيد الشديد في قول الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}[التوبة:٣٤ - ٣٥].
إن الفاجر والكافر ومانع الزكاة يوم القيامة ينفخه الله تعالى ويضخمه حتى يكون مقعده من النار كما بين مكة والمدينة، ويكون كل ضرس من أضراسه كجبل أحد، ويكون جنبه بهذه المثابة، فيؤخذ ماله ويؤتى به لا يفقد منه أوقية ولا خمس أواق ولا عشر أواق ولا عشرين أوقية، فيذاب ويوضع، لا يوضع منه درهم فوق درهم ولا دينار فوق دينار، حتى يكسى به جنبه ووجهه وظهره نسأل الله السلامة العافية، كلما تغير جلده أحمي مرة أخرى في نار جهنم وأعيد إليه، فلذلك يعرض جنبه ووجهه حتى يلصق به كل ماله، لا يفقد منه ديناراً ولا درهماً ولا يجعل دينار فوق دينار ولا درهم فوق درهم، نسأل الله السلامة العافية.
كذلك فإن من منع زكاة متوعد بعذاب القبر في قول الرسول صلى الله عليه وسلم:(إن مانع الزكاة إذا وضع في قبره أتاه شجاع أقرع في قبره، ولا يزال يلدغه ويؤذيه) , وهذا نوع من أنواع عذاب القبر، فمنع الزكاة من أسبابه.
وكذلك من العقوبات المعجلة لمانع الزكاة في الدنيا بغض الناس له، فالناس جميعاً يبغضون مانع الزكاة ويبغضون البخيل، حتى البخلاء بعضهم يبغض بعضاً، ومانعوا الزكاة بعضهم يبغض بعضاً، وهذه حكمة واضحة معروفة، فهي من العقوبات الدنيوية المعجلة.
إن هذه الزكاة لو أخذ بحقها الصحيح ووزعت بين الناس بالعدالة التي بينها الله سبحانه وتعالى حيث لم يكل قسمتها إلى ملك مقرب ولا إلى نبي مرسل، بل تولى قسمتها في كتابه في قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ}[التوبة:٦٠] , ولو وزعت هذا التوزيع الصحيح لما حصلت مجاعة في الأرض، ولما وجد فيها من الفقراء من لا يجد لقمة عيشه ويبيع دينه بسبب فقره، أو يقع في كثير من المناكر بسبب حاجته، فلو أديت هذه الزكاة على الوجه الصحيح لحالت دون كثير من الرذائل.
فكثير من الرذائل من ورائها الفقر، ولهذا جعل الرسول صلى الله عيله وسلم الفقر قريناً للكفر في قوله:(اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر)، فالفقر داع لكثير من الرذائل، فيجد الإنسان فيه مذلة وطمعاً في غير الله، وخوفاً من غير الله، وكذلك يسعى في كثير من الأحيان للحصول على المال بأوجه غير صحيحة، كالسرقة والغش والخداع وغير ذلك.