للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلم قبل القول والعمل]

التعلم شرط لأداء الفرائض، وشرط لأداء السنن، وشرط لأداء المندوبات، وشرط لاجتناب المحرمات، وشرط لاجتناب المكروهات، وشرط لاستغلال الأوقات، لا يمكن أن تقدم على أي شيء إلا على أساس العلم، وإذا أقدمت على أي أمر دون أن تعرف حكمه فأنت عاصٍ قطعاً؛ لقول الله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:٣٦]، فأنت مأمور بالتعلم قبل العمل، وقد عقد البخاري في الصحيح باباً قال فيه: باب العلم قبل القول والعمل؛ لقول الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:١٩]، فبدأ بالعلم أولاً قبل القول وهو: شهادة أن لا إله إلا الله، وقبل العمل بذلك وهو الاستغفار، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، وهذا يقتضي منا أن نعلم أن العلم هو المفتاح الأول في النجاح في حياتنا وفي مهمتنا التي أهبطنا من أجلها إلى هذه الأرض، وهذا العلم لا يمكن أن نطيع ربنا إلا به، وما عصي الله إلا عن جهل به أو بشرعه، فالجهل بالله سبب لمعصيته؛ لأن الإنسان إذا لم يعرف الله ونهي عن أمر من الأمور، وكان يخاف عقوبة تترتب على تلك المخالفة، فإنه سيحاول الاحتيال عليها أو إخفاءها، لكن إذا عرف الله، وعرف أنه هو الجليل الكريم الكبير، وأنه لا يمكن أن يخفي عنه الإنسان شيئاً من تصرفاته، وأنه أقرب إليه من حبل الوريد، وأنه يعلم السر وأخفى؛ حينئذ سيخافه ويقلع عن معصيته، كذلك قد يعصي شخص الله تعالى على أساس جهله بما يقدم عليه؛ لأنه يظن أنه عبادة وطاعة، فيفعله وهو في نفس الوقت معصية، فهذا جهل بشرعه لا به، فالجهل قسمان: جهل بالله وجهل بشرعه، وكلاهما سبب لمعصيته ومخالفته، ولا يمكن أن يتخلص الإنسان منهما إلا بطلبه للعلم.

الإنسان الرشيد يعلم أن الفرص المتاحة نادرة، وأن الوقت ضيق جداً، ونحن نستشعر في أيامنا هذه سرعة الزمان، فعجلاته أصبحت تدور بسرعة غير طبيعية، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: (إن بين يدي الساعة أياماً تكون السنة فيها كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كاشتعال السعفة)، وقت سريع جداً، ولا يزداد الزمان إلا إسراعاً، فلذلك نحتاج إلى استغلاله قبل فوات الأوان، فكل يوم نودع بعثاً إلى الدار الآخرة لا يرجعون إلا عند النشور، منهم من هو معاصر لنا في سننا، ومنهم من هو أصغر منا، يدفنون جميعاً في المقابر، ويقدمون إلى ما قدموا، وتزول عليهم الغشاوة، فيرون الأمر حق اليقين، ويبدو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، ولاشك أنهم سيندمون جميعاً، فالمحسن يندم على عدم الازدياد، والمسيء يندم على أصل إساءته، فما من أحد من أهل الآخرة إلا وهو في ندم، فالآخرة كلها دار ندم، المحسن يندم ألا يكون قدم زاداً أكثر لما يرى من تفاوت الناس، ولما يعلم من استحقاق الله للزيادة في الطاعة والعبادة، والمسيء يندم على أصل إساءته، لماذا فرط في جنب الله؟ ولماذا قصر في أداء حقوقه؟