وحديث الضرير الذي يستدل به مجيزو التوسل فيه علل: وأول هذه العلل: أن شعبة يرويه عن أبي جعفر غير منسوب وغير مسمى وإنما ذكر بكنيته، وأبو جعفر هذا قال الترمذي:(وليس الخطمي، فـ أبو جعفر الخطمي ثقة مدني معروف، ولكن أبو جعفر هذا لا يدرى من هو، والذين صححوا الحديث اعتمدوا على أن أبا جعفر هذا هو الخطمي.
العلة الثانية: أن النسائي أخرج هذا الحديث من وجه آخر في السنن فقال فيه: عن أبي جعفر عن عمارة بن زيد بن ثابت، بدل عمارة بن خزيمة بن ثابت، وهذه العلة ما وجدت من نبه عليها من الذين تكلموا على هذا الحديث، وقد بحثت عن عمارة بن زيد بن ثابت هذا فما وجدت له ذكراً في كتب الرجال، إلا ذكراً لا يبشر بخير، وهو أن مالكاً ذكر في موطئه أن فتية من العطار تعاطوا الخمر في أيام مروان حين كان أميراً على المدينة لـ معاوية فقتلوا أحدهم بالسكاكين، فكتب مروان إلى معاوية فيهم فأمره أن يقتاد منهم، ولم يسم مالك القتيل لكن ابن حزم ذكر هذا الأثر في المحلى فسمى القتيل عمارة بن زيد بن ثابت، فقد قتل في معاقرة الخمر، قتله أصحابه فلا يصلح للاحتجاج به.
وعلى هذا فإن إسناد الحديث فيه اختلاف على الراوي أبي جعفر هذا، هل شيخه فيه عمارة بن زيد بن ثابت أو عمارة بن خزيمة بن ثابت؟ عمارة بن خزيمة بن ثابت لا إشكال فيه؛ لأنه ثقة من التابعين، وعمارة بن زيد بن ثابت هو الذي ذكرناه، ولا نعرف له ترجمة ولا ذكراً إلا في هذه الواقعة.
والعلة الثالثة: أن فيه أن عثمان احتجب عنه، وما عرف عن أحد من الخلفاء الراشدين أنه احتجب، بل كان يأذن لكل من طرق إلا في أوقات الانشغال، وكان -كما في الصحيحين- يعلم الناس الوضوء على أبواب المسجد قبل الصلوات، وكان يصلي بالناس الصلوات الخمس وغيرها، وكما في الموطأ كان يأتي المسجد آخر الليل فيجلس في مؤخرة المسجد يعلم الناس القرآن، ومن هذا حاله كيف يكون محتجباً عن الناس وهو يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ولي من أمر أمتي شيئاً فاحتجب عنهم احتجب الله عنه يوم القيامة)، فلا يمكن أن يحتجب عن ذوي الحاجات من المسلمين.
العلة الرابعة: أن في هذا الحديث: (اللهم شفعني فيه وشفعه في)، كيف تشفع في رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقد فسرها العلماء بأن معنى:(اللهم شفعني فيه): اللهم تقبل دعائي له بالإجابة، (وشفعه في) معناها: تقبل دعاءه لي بالشفاء، وهذا يقتضي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له فيكون التوسل بدعائه لا بشخصه، فيخرج الحديث عن محل الخلاف أصلاً.
فهذه أربع علل، ومع هذا فقد صححه شيخ الإسلام ابن تيمية ولكنه أجاب عنه بإجابات لا تقوى على رده؛ لأنه لم يتكلم عنه من ناحية الصناعة الحديثية، فضعف رده عليه، وقال: عن الإمام أحمد في هذا روايتان إحداهما بجواز التوسل بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخرى بعدمه، والأخرى هي الموافقة لقول الجمهور كما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية.