للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نشأة اللغات]

وقد علم الله آدم الأسماء كلها كما أخبر بذلك في كتابه: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:٣١]، وهذا التعليم اختلف فيه الناس هل كان عن طريق الوحي والتوقيف، أو كان عن طريق الإلهام والإلقاء؟ وكل ذلك ممكن، والله سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء، لكن اتفق الناس على أن ما يتجدد من دلالات الألفاظ، وما يطرأ من المجازات، إنما هو عن طريق الإلهام، ويضع الله القبول على بعض المصطلحات، فتشيع بين الناس.

ومن هنا فكل جديد يطلق الناس عليه عدة أسماء باعتبار أذواقهم، ولكنه سيثبت له اسم واحد يضع الله له القبول بين غيره من الأسماء، فمثلاً: عندما صنع أول جهاز (كمبيوتر) في الولايات المتحدة في جامعة (بنسلفانيا) سمي في البداية النظامة، ثم سمي الرتابة، ثم سمي الحاسوب، ثم سمي بالحاسب الآلي، ثم سمي بعد ذلك بالعقل الإلكتروني، وهذه الأسماء كلها لبعض وظائف هذه الآلة، لكن بتطور الزمان وبتطور الدلالات، لابد أن يثبت اسمٌ واحدٌ لهذه الآلة يكون اسماً عالمياً مشهوراً.

وكذلك لما طرأت آلة الفاكس للإرسال الكتابي عن طريق الاتصالات الهاتفية، إما عن طريق الكيبلات، أو عن طريق الأقمار الصناعية، أو عن طريق الألياف الزجاجية، سميت في البداية بـ (الناقل)، ثم سميت بـ (الهاتف الكاتب)، ثم سميت بعد ذلك بـ (الكاتوب)، وغيرها من المصطلحات، فبتطور الزمان سيختار اسمٌ واحدٌ يضع الله له القبول وينتشر بين الناس.

لا شك أن البشر متنوعون في الأذواق وفي البيئة، وفي أنماط الحياة، وبسبب ذلك تنوعت لغاتهم واختلفت، وقد نص العلماء على أن الله تعالى علم آدم اثنتين وسبعين لغة، وهي أصول لغات العالم، وهذه اللغات أصلها أربع فقط، ومنها تتشعب بقية اللغات كلها، حتى تصل إلى العدد الموجود اليوم.

ففي الهند وحدها أربعمائة وخمسون لغة! وهي دولة واحدة، وهذه اللغات بعضها يكون مشتقاً من بعض بالتداخل، كحال اللغة الفارسية مع اللغة البشتونية، واللغة الأوردية كذلك مع الفارسية ومع العربية، واللغة التركية كذلك مع اللغة العربية في التداخل في كثير من المفردات.

وكذلك فإن بعض اللغات يكون قابلاً للتطور بسرعة هائلة، فتتجدد دلالاته ومصطلحاته، ومن ذلك اللغة الإنجليزية، واللغة الفرنسية إلى حد ما فإن ألفاظها تتناقل وتتجدد، ومن هنا فنسبة (١٠%) من اللغة الفرنسية هو من الكلمات المنقولة، إما من اللغة الإغريقية أو من اللغة الرومانية، أو غيرها من اللغات، حتى من اللغة العربية.

لكن هذه اللغات، سواء كانت توقيفية أو كانت إلهامية، فإن كل ذلك يرجع إلى الاختيار الرباني، والاصطفاء الإلهي، والقبول الذي يضعه الله للكلمات حتى تتناسب مع الأذواق، فالحسن والقبح بمعنى ملائمة الطبع ومنافرته ووصف الكمال والنقص أمرٌ عقلي، وبمعنى ترتب الثواب والعقاب عاجلاً أو آجلاً أمر شرعي، ومن هنا حصل الخلاف بين أهل السنة والمعتزلة فيما يتعلق بالتحسين والتقبيح، والخلاف ينبغي أن يكون لفظياً؛ لأن الحسن والقبح بمعنى ملائمة الطبع ومنافرته، لا شك أن هذا راجع إلى العقل، أما الحسن والقبح بمعنى ترتب الثواب والعقاب، فهذا شرعيٌ قطعاً لا بد فيه من وحي، فالخلاف يمكن أن يرجع إلى خلاف لفظي ولا تترتب عليه أحكام كثيرة.