ثم المشهد الذي بعد هذا هو مجيء ملائكة السؤال، وهما منكر ونكير، ويأتيان في صورة مروعة، ويجلسان الميت على ركبتيه فيقولان له: ما ربك؟ وما دينك؟ وما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، والرجل المبعوث فينا هو محمد هو محمد هو محمد ثلاثا، جاءنا بالبينات والهدى فآمنا واتبعناه، فيقولان له: صدقت وبررت، نم نومة عروس، ويملآن عليه قبره خضراً ونورا.
وأما المنافق أو المرتاب فيقول: هاه هاه لا أدري، كنت سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فيقولان له: لا دريت ولا تليت، فيضربانه بمرزبة معهما من حديد لو اجتمع عليها أهل منى ما أقلوها، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الإنس والجن، ثم بعد هذا المشهد عذاب القبر! وهو المشهد الذي بعد السؤال.
والمعذبون في القبور أنواع: منهم أهل الكفر، وهؤلاء يعذبون في قبورهم بالعطش وغير ذلك من أنواع الأذى والإهانات، ويرون مواقعهم في النار، نسأل الله السلامة والعافية.
ثم بعد هذا عذاب الفساق في قبورهم، وهذا العذاب منه ما يكون على ذنب محدد؛ كما يكون على المشي بالنميمة وعدم اتقاء البول، فهذان الأمران يعذب عليهما في القبر، فقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين جديدين فقال:(أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى إنه لكبير.
أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من البول)، وفي الحديث الآخر:(تنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه).
فعذاب القبر سبب من أسباب مغفرة الذنوب ومكفر من مكفراتها، فيعذب الإنسان في قبره العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر، فإذا بعث يوم القيامة كان قد أخذ ما يستحقه من العقاب ونال بذلك الجنة، نسأل الله أن يغنينا عن ذلك بعفوه ورحمته.