[الإيمان باليوم الآخر]
الركن الخامس من أركان الإيمان: الإيمان باليوم الآخر.
والمقصود بذلك الإيمان بالدار الآخرة المقابلة لدار الدنيا، فدار الدنيا معناها: دار العاجلة، وهي مختلف في وصفها هذا هل هو مشتق من الدناءة؛ لأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، ولو كانت تساوي عنده جناح بعوضة لما أطعم منها كافراً شربة ماء، أو مشتقة من الدنو لقربها؛ لأنها قبل الآخرة؟ والآخرة هي التي بعد هذه الدار الدنيا، والآخرة عبارة عما بعد نهاية هذه الدنيا، وليست منتهية إلى زمان، بل هي مستمرة إما إلى جنة وإما إلى نار، وأهل الجنة في نعيم دائم لا ينقطع، وأهل النار في عذاب مستمر دائم لا ينقطع، لكن قبل ذلك تقع مشاهد وأحداث وأهوال هي أهوال القيامة، وهذه الأهوال تنقسم إلى قسمين: أهوال تسمى علامات، وهي أشراط للساعة وعلامات لها سابقة عليها، وهذه من أعظمها الموت، فالموت علامة على القيامة؛ لأنه انتقال من هذه الدار إلى الدار الآخرة، وإذا مات ابن آدم فقد قامت قيامته، ولذلك فالقبر أول منازل الآخرة، وهو أعظم من كل ما قبله، وأعظم منه كل ما بعده.
وكذلك منها الأشراط الكبرى، مثل طلوع الشمس من مغربها، وقرنها مع القمر، وكذلك خسف بالمشرق وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وكذلك الدخان، والنار التي تسوق الناس من قعر عدن إلى المحشر إلى الشام، وكذلك الدابة التي تخرج في مكة في المسجد الحرام فتكلم الناس، وكذلك رفع القرآن فهو من أشراط الساعة، وكذلك خروج المسيح الدجال الكذاب الذي ما من نبي إلا وحذره قومه، وما بعد خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أعظم منه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطانا فيه علامة لم يعطها نبي قوماً قط، فأخبرنا أنه أعور وأن ربنا ليس بأعور.
وجاء في حديث أنه: (أعور العين اليمنى)، وفي الحديث الآخر: (أعور العين اليسرى)، ولا تعارض بين الحديثين؛ لأن (أعور العين اليمنى) معناه أنها غائرة لا ترى، وهي طافئة، أي أنها مشقوقة مستترة، والحديث الآخر: (أعور العين اليسرى) معناه أنها عنبة طافية، فهي قبيحة وقبحها هو عورها، خارجة من محلها، بمعنى أنها جاحظة كبيرة جداً ومع ذلك هي كالعنبة الطافية، ومعناه: التي تبرز فوق الماء.
فإحداهما طافية والأخرى طافئة، فالطافية معناه: الخارجة من محلها.
والطافئة معناه: المشقوقة الداخلة في محلها.
ومكتوب بين عينيه: (ك ف ر) كفر، أو (كافر)، وهذه علامة بارزة يراها أهل الإيمان، فكل من أراد الله به أن يجتنب المسيح الدجال رأى مكتوباً بين عينيه: (ك ف ر)، فهذه علامات تختص بهذه الأمة بينها لنا الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد بالغ في التحذير منه، فقد جاء عنه فيه كثير من الأحاديث الصحيحة، ومنها إخباره صلى الله عليه وسلم -عندما ذكرهم بـ المسيح الدجال وفتنته- وأن معه نهراً يزعم أنه الجنة ومعه آخر يزعم أنه النار، فجنته هي النار وناره هي الجنة، وأنه يمر بالخربة فيأمرها فتتبعه كنوزها، ويمر على قوم فيتبعونه وهم في قحط وجذب -أي: مقحلون- فيأمر السماء فتمطر، ويأمر الأرض فتنبت، فتروح عليهم ماشيتهم أطول ما كانت ضروعاً وأسمنها، ويمر على آخرين فيكذبونه فيأمر الأرض فتقحط، ويأمر السماء فتمسك، وتروح عليهم ماشيتهم أضمر ما كانت ضروعاً وأقلها لبناً.
وكذلك فإن فتنته عظيمة جداً، يأتي المدينة بمسالحه، وهو يخرج بين العراق والشام فيعيث يميناً وشمالاً، ويمكث في هذه الأرض أربعين يوماً، فيوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع، وسائر أيامه كأيامكم، ويتبعه اليهود، ويكون في مقدمة جيشه سبعون ألفاً من يهود أصبهان عليهم الطيالسة، والطيالسة: جمع طيلسان، وهو: العمامة الخضراء التي تكون مسبلة على الرأس والكتفين.
ويأتي المدينة ومكة فيحرم منهما ولا يدخلهما، وعلى أنقابهما الملائكة، كلما أراد الدخول ضربوه، وللمدينة يومئذ سبعة مداخل أو سبعة أبواب، فإذا أراد الدخول من واحد وجد عليه ملكين فيطردانه فتنزل مسالحهم على جيوشه وسلاحه بإحدى السباخ في المدينة، وينزل هو على جبل من جبالها فيطل عليها فيرى المسجد فيقول: ذلك القصر الأبيض قصر محمد.
فيأتيه أهل المدينة وفيهم رجل هو من خير الشهداء فيقول: والله إنك للمسيح الدجال الذي أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيأمر به فيفلق فلقتين فيمشي بينهما، ثم يدعوه فيقوم فيناديه فيقول: ألست ربك؟ فيقول: والله ما ازددت فيك إلا يقيناً، ولأنت المسيح الدجال عدو الله الذي أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيقصد أن يذبحه فلا يسلط عليه، ويجعل الله بين ترقوته وذقنه نحاساً فلا يستطيع أن يذبحه.
وكذلك من هذه الأشراط الكبرى نزول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، ينزل بمدينة دمشق عند المنارة البيضاء شرقي المسجد، ينزل بين ملكين، وإذا طأطأ رأسه تحدر منه مثل الجمان، وإذا رفعه سال مع عنقه كأنما خرج من ديماس، وينزل وقد أذن للفجر، فيأتي المسجد والناس يصلون وإمامهم منهم، فيقول: يا نبي الله! تقدم فصل.
فيقول: ما أقيمت لي.
ويصلي مأموماً، ويقاتل المسيح الدجال ويتبعه المؤمنون، ويلتقي به عند باب لد فيقتله، ولا يحل لكافر أن يجد ريح نفسه إلا ذاب كما يذوب الملح في الماء، ونزوله شرط من أشراط الساعة وعلامة من علاماتها.
وكذلك حشر اليهود إلى بيت المقدس وإلى الشام عموماً، فهو أول الحشر، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الحشر:٢] , وكذلك في قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً} [الإسراء:١٠٤] , فسيجتمع بنو إسرائيل كلهم في الشام، وقد بدأ هذا وشاهدناه وحصل منه في زماننا هجرات كثيرة لليهود، فقد جاء يهود الاتحاد السوفيتي، ثم جاء بعدهم يهود الفلاشا من أفريقيا، وما زالوا يجتمعون، والآن يخططون لجلاء اليهود من أوروبا وأمريكا ليجتمعوا في هذا المكان بعد أن اجتمع فيه اليهود من المغرب واليهود من المشرق.
وكذلك من هذه الأشراط الأشراط الصغرى، ومنها انتشار الفواحش، وكثرة النساء وقلة الرجال، ورفع العلم، وكثرة الجهل، وأن يقود الناس جهالهم، وأن يقود القبيلة غاويها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاء يتطاولون في البنيان، وأن يكون المال في أيدي البخلاء، وأن يرفع من أيدي الأغنياء، وكذلك أن يكثر النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد، وكذلك كثرة الهرج وهو القتل، فلا يبقى الشخص قادماً، ولا يسمع خبراً إلا وفيه قتل في بلد من البلدان، وأنت اليوم تسمع أية إذاعة أو تقرأ أية جريدة ستجد القتل في كل خبر.
وكذلك فشو الربا، فلا يكاد الإنسان ينجو منه، فمن لم ينل منه نال من رائحته ووصل إليه من غباره، وهذا ما نشاهده اليوم، فأرزاق الناس كلها متأثرة بالربا، وكذلك منها العقوق، فيكون الولد سلطاناً على والده لا يستطيع أن يأمره بشيء ولا أن ينهاه عن شيء، ويسعى أن يجعل بينه وبينه وسيطاً ليبلغه أمراً من عنده أو أن ينهاه عن شيء.
وكذلك من هذه الأشراط الصغرى تقارب الزمان، حيث تكون السنة منزوعة البركة حتى تكون كالشهر، ويكون الشهر كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاشتعال السعفة -أي: سعفة النخلة- من قلة بركة الزمان، وكذلك من تقارب الزمان كثرة الاتصالات ووسائل النقل وتسهيلها.
وكذلك من هذه الأشراط الصغرى ما يحصل من تفشي الكذب، فيحدث الرجل عن شخص يعرف وجهه ولا يعرف اسمه، فينتشر الكذب بهذه الطريقة، وهو الذي يسميه الناس اليوم (رجل الشارع)، فيقولون: رجل الشارع يحدث بكذا.
و (رجل الشارع) معناه الشخص المجهول الاسم المعلوم للعين، والحديث وارد فيه، فيقول الرجل: حدثني رجل أعرف وجهه ولا أعرف اسمه.
وينتشر الكذب، فهذه كلها من أشراط الساعة وعلاماتها.