الحال الأول: حال الفتنة والشبهة، فعندما يأتي ليل الفتن وسيلها الجارف يحتاج المؤمن إلى ما يثبته، وهو هذا اليقين الذي يجعله لا ينجرف وراء الفتن ولا يذهب وراء كل ناعق، ويمسك بالمحجة البيضاء لا يميل عنها يميناً ولا شمالاً ولا يسلك بنيات الطريق ولا أبواباً مفتحة.
وهذا الحال يذكرنا بحالنا اليوم، فالفتن تزداد في آخر الزمان، وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذه الفتن فقال:(يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا)، فكم شاهدنا من الناس من نرى بحسب الظاهر -والسرائر علمها إلى الله- أنه يبيع دينه بعرض من الدنيا.
هذا من هذه الفتن التي حذرنا منها الرسول صلى الله عليه وسلم، فلذلك يجب على المسلم أن يستمسك باليقين، فإذا عرض عليه بيع دينه بأي ثمن تذكر أن هذا الدين هو هو، وأن بيعه له خسارة في الدنيا والآخرة، وأنه إن لم يسلك طريق إبراهيم فقد سفه نفسه كما شهد الله وهو عليم بذلك:{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}[البقرة:١٣٠].
ومن هنا فعليه أن يثبت وأن يعلم أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وأن ما كتب له لابد أن يناله، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وليتذكر هذا عند كل الصدمات والأزمات، وإنما الصبر عند الصدمة الأولى.
فإذا جاءت أية نازلة وأية فتنة فإن أهل الإيمان يثبتون ويراجعون أنفسهم ويتذكرون أول ما يتذكرون اللجوء إلى الله والعلاقة به، ومن هنا لا يستفزون بهذه الفتنة فينجون منها:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}[إبراهيم:٢٧].