[وسائل استجابة الدعاء]
وهناك ثلاثة من أسباب استجابة الدعاء اشتهرت بالوسائل: السبب الأول: أن يتوسل الإنسان بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا، فالتوسل بهذا بين يدي الدعاء مظنة الاستجابة، لقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:١٨٠]، وفي الحديث أن رجلاً من الأنصار قال: (اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت ديان السماوات والأرض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد سأل هذا الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب).
وكذلك أقر عائشة على الدعاء بالأسماء الحسنى، وثبت عنه قوله: (إن لله اسماً هو اسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب)، فهذا يقتضي التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا عموماً.
السبب الثاني: التوسل إلى الله بصالح الأعمال، ولا يكون العمل صالحاً إلا إذا كان موافقاً لما شرعه الله وكان الإنسان مخلصاً فيه لله سبحانه وتعالى، فإذا كان كذلك فإنه بالإمكان أن يتوسل به إلى الله ولو كان يسيراً فيستجيب الله دعاءه، ودليل ذلك قول الله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا} [آل عمران:١٦]، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث أصحاب الرقيم أن الثلاثة توسلوا إلى الله بصالح أعمالهم، قالوا: إنه لا ينجيكم إلا أن تتوسلوا إلى الله بصالح أعمالكم.
السبب الثالث: هي التوسل إلى الله بدعاء المؤمنين، والله سبحانه وتعالى جعل الشفاعة وسيلة، لكنه لا يستجيب إلا إذا أذن بالشفاعة، فالملائكة يشفعون ويدعون للمؤمنين، ولكنهم لا يدعون إلا لمن أذن لهم الله بالشفاعة فيه؛ لأنه قال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢٥٥]، وقال: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء:٢٨].
وقد ذكر آيتين في دعاء الملائكة إحداهما في سورة الشورى وهي قوله: {وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} [الشورى:٥]، والأخرى في سورة المؤمن، وهي قوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ} [غافر:٧ - ٩]، فالآية الأولى فيها الإطلاق: (لمن في الأرض)، والآية الثانية فسرت ذلك الإطلاق بأن المقصود به أهل الإيمان والتقوى والالتزام لأنه قال: (للذين تابوا واتبعوا سبيلك).
وكذلك الاستشفاع بدعاء الرسل في حياتهم، وقد ذكرناه في دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن هذه القبور مظلمة على أهلها، وإن الله ينورها عليهم بدعائي وصلاتي)، وقد أمره الله بالدعاء للمؤمنين في قوله: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:١٠٣].
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه أمر عمر بن الخطاب إذا أتاهم أويس القرني أن يسألوه أن يستغفر لهم، فهذا دليل على مشروعية التماس الدعاء من كل عبد مؤمن تظن به خيراً.
وقد سأل عمر أويساً القرني أن يستغفر له، وقد كان يستقبل أمداد اليمن، وكان إذا أتاه أحد من أهل اليمن سأله عن أويس ما حاله فيذكرون تقشفه وزهده، حتى قدم عليه في أمداد اليمن، فقال: أنت أويس بن عبد الله؟ قال: نعم.
قال: القرني؟ قال: نعم.
قال: لك أم أنت بها بر؟ قال: نعم.
قال: كان بك وضح فشفاه الله إلا موضع أصبع؟ قال: نعم.
قال: قد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسألك أن تستغفر لنا.
وكان خيره إلى أي اتجاه يريد أن يذهب فاختار العراق، فقال: أوصي عليك أمير الجيش؟ قال: لا، دعني أسير في غمار الناس.
فكان لا يريد أن يكون له ذكر، لكنه اشتهر في العراق والتمس الناس منه الدعاء، وأكثروا عليه، فسار في سرية فلم يرجع ولم يعرف الناس أين ذهب، وقد لقب بسيد التابعين.
وكل من رجي منه الخير فإنه يلتمس منه الدعاء.
فقد كان عدد من التابعين يلتمسون الدعاء من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وكان الناس في زمان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا ولد لأحد منهم مولود أتاه به فيدعو له، كما ثبت أن ابن عباس أتاه بولده علي حين ولد له فدعا له علي وسماه علياً، فكان أبا خلفاء بني العباس.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل هذه السنة من قبل، كان إذا أتي بمولود حنكه ودعا له، وكذلك كان ابن عمر رضي الله عنه إذا ودعه من يريد السفر دعا له بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعهم به: (أستودع الله دينك وأمانتك وخواتم عملك)، وكذلك كان يقول: (زودك الله التقوى وغفر ذنبك، ويسر لك الخير حيثما توجهت).