[والكتب للأشياء في الذكر سبق من قبل أن تخلق فهو المنطلق] أي: أن كل ما هو كائن، فقد سبقت كتابته في علم الله، وهذه مرتبة من مراتب القدر وقد ذكرناها، والقدر أربع مراتب: المرتبة الأولى: علم الله السابق بجميع الأشياء إجمالاً وتفصيلاً.
والثانية: كتابة كل ذلك في أم الكتاب من صحفه التي عنده، وهذا هو المقصود هنا في قول الناظم:(والكتب للأشياء في الذكر سبق)، فيكتبها الله سبحانه وتعالى، كما في قوله سبحانه:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}[الأنبياء:١٠٥]، وكذلك قوله تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[الأنعام:٥٩]، وهذا الكتاب المبين هو الذي يكتب الله فيه؛ ولذلك قال:{يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}[الرعد:٣٩].
والكتب للأشياء كلها ما هو كائن منها، وما أمدُ حياته وتعميره، وما يطرأ عليه من العوارض والآفات وغير ذلك، كل ذلك مكتوب عنده:(رفعت الأقلام وجفت الصحف).
قوله:(من قبل أن تخلق)، أي: تلك الكتابة سابقة على الخلق طبعاً، (فهو المنطلق)، أي: ذلك الكتاب هو المنطلق الذي لا يخالفه شيء ولا يتم شيء إلا على وفقه، فلا يحصل حركة ولا سكون ولا غير ذلك، إلا على وفق الكتاب السابق، فمنه تنطلق الخلائق كلها، قال الشيخ حفظه الله: وكل ذا في الذكر جا أو في الخبر والآن أبتدئ نظم المختصر قوله: (كل ذا) أي: كل ما ذكرناه من عقائد أهل السنة والجماعة في هذا النظم، (في الذكر) أي: في القرآن (جاء) صريحاً (أو في الخبر) أي: الأحاديث الصحيحة، كما سبق بيانه، فليس من ذلك شيء من اجتهادات الناس ولا من أقوالهم، ولا من عقائد الفرق الضالة، ولا من اجتهادات الذين يتكلفون ويتعنَّون؛ بل كله إما صريح في القرآن، وإما صحيح في السنة؛ ولهذا قال:(وكل ذا في الذكر جا) أي: في القرآن، أو (في الخبر) أي: في الحديث.
(والآن أبتدئ نظم المختصر) أي: أن هذا مقدمة لنظمه، الذي ينظم فيه مختصر خليل، وقد أضاف عليه كثيراً مما ليس فيه.
نسأل الله أن يختم بالصالحات أعمالنا، وأن يختم بالحسنات آجالنا، وأن يجعل خير أعمارنا آخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.