ثم إن عائشة رضي الله عنها لم تكتفِ بخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤازرته في نصرة دينه، وحفظ هذا الدين على المسلمين وتبليغه، بل حين رأت أمراً عظيماً، حصل في دولة الإسلام باغتيال الخليفة الثالث وحصاره ظلماً وعدواناً في الشهر الحرام في البلد الحرام؛ رأت أن من واجبها أن تتصرف.
وأداها اجتهادها إلى الخروج للمطالبة بدم عثمان، وهي تعلم أن هذا ليس من شأن النساء، ولكنه إذا لم يقم به من يكفي من الرجال تعين على النساء، فاجتهدت هذا الاجتهاد، وإن كانت قد أخطأت في بعض جوانبه، فخطؤها مغفور؛ لأنه ليس عن رقة دين ولا عن جهلٍ، وإنما هو عن علم وطلب للحق، وهو اجتهاد، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(إذا اجتهد الحاكم فأصاب كان له أجران، وإذا اجتهد فأخطأ كان له أجر).
فـ عائشة رضي الله عنها حين رأت أن الحق هنا وهو المطالبة بدم عثمان، وقتل قتلته، لم يقم به من يكفي من الرجال، رأت أنه مما يتعين عليها أن تقوم فتطالب بدم عثمان، وتخرج في ذلك وتقاتل من أجله.
وهكذا أيضاً كانت لها مشاركات أخرى في كثير من الأمور فيما بعد هذا، فهي المضحية الباذلة في سبيل الله، كان يأتيها عطاؤها من بيت المال، وهو عطاء سنة كاملة من بيت المال، وهي صائمة في النفل، فتنفقه جميعاً في يومها ولا تدخر منه درهماً واحداً للإفطار.
وكانت رضي الله عنها تجتهد في تعليم الناس القرآن، وكان لها بعض الموالي الذين إذا حفظوا القرآن أعتقتهم، وكان لها مولى يحفظ القرآن ويكتب المصاحف، وكانت عائشة إذا كانت بمكة تنزل بين جبلي ثبير وحراء، فيجتمع عليها رجال قريش، فإذا كان من الليل أمرت عبد الرحمن بن أبي بكر أن يقوم بهم الليل ليصلي بهم جماعة، فإذا تخلف عبد الرحمن إلى الحرم أمرت مولاها ذكوان فيصلي بالناس، وكان ينشر المصحف أمامه فيقرأ فيه وهو يصلي بالناس.