للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من أسخياء القرن العشرين]

إن كثيراً من المتصدقين لهم في هذا الميدان باع واسع، ولهم آثار طيبة في الدفاع عن الإسلام، وإعلاء كلمة الله، أذكر أن تاجراً من التجار أتاه قوم من المجاهدين ذات يوم، فذكروا له ما يعانون من بطش (الروس)، وراجماتهم بعيدة المدى، وأنهم لا يمكن أن يقارعوهم إلا بصواريخ (سنجر)، وهي غالية ليس لديهم ما يشترونها به، فتمعر وجه الرجل، وقال: ليس بينكم وبين أن تقاتلوا الروس في سبيل الله إلا شراء هذه الصواريخ؟! قالوا: نعم، فقال: هي عليّ في سبيل الله! فتهلل المجاهدون لذلك، واستبشروا في الصفوف، وسمع التكبير في صفوفهم، وفعل الرجل ما وعد، فكان لذلك الأثر البالغ في هزيمة الروس النكراء.

ومثل ذلك: ذات يوم كنا في وقت الظهيرة في شدة الحر مع رجل من قادة المجاهدين الأفغان، وهو عبد رب الرسول سياف، وكان يتحدث عن الضائقة التي يعانيها المجاهدون في قمم الجبال من بطش الروس، فبينما هو يتحدث ذلك الحديث -والناس صائمون في وقت الظهيرة- إذ بشاب يطرق الباب، فاستقبله أحد الحاضرين، فقال: إن معه أمه، وإنها تريد الشيخ لحاجة ضرورية، فتعجب الناس من هذه العجوز التي تأتي في وقت الظهيرة، وتريد الشيخ؛ ليخرج إليها وهو في وقت شرح حال المجاهدين وبيان حالهم!! فما كان من الشيخ إلا أن خرج إليها، فإذا هي جالسة عند الباب، فقالت: إنها عجوز كبيرة السن، وقد ورثت مالاً حلالاً، وتريد أن تقدمه لآخرتها، وقد جاءت به تحمله، وتريد رسولاً أميناً يحمله لها إلى الدار الآخرة، فسلمته ليد الشيخ، فجاء الشيخ يبكي وقد ابتلت لحيته بدموعه، وما ذلك إلا لأنه كان يحب أن يكون هو الذي أنفق هذه النفقة، كحال الأشعريين الذين كانوا يحبون الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن لهم مالٌ يفعلون ذلك به، فأنزل الله فيهم: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ} [التوبة:٩٢].

كذلك أعرف تاجراً من تجار المسلمين ليس بأغناهم، ولا بأطولهم يداً، خرج ذات يوم إلى جامعة أهلية من الجامعات الإسلامية، فرأى فيها الطلاب من مختلف الجنسيات يدرسون العلم، وهذه الجامعة تسعى للتكوين التربوي؛ فتلزم طلابها بصيام الإثنين والخميس وقيام الليل، بالإضافة إلى دراسة العلم، وحضر معهم الإفطار، ورأى ضآلة طعامهم وضعف إمكانات الجامعة، فقطرت دموعه، فعرفت أنه مستعد لأن يبذل شيئاً للجامعة، فسألته: هل تريد أن تتبرع للجامعة بشيء؟ قال: نعم، فقلت: إن أحوج ما تحتاج إليه هذه الجامعة أن تشتري لها مطبخاً كبيراً، فاشترى لها مطبخاً كبيراً من اليابان، ووصل إليها بالفعل، وكان هذا المطبخ فتحاً عظيماً للجامعة، سد حاجة الطلاب جميعاً، وما هو إلا من لحظة واحدة تأثر بها الرجل عندما رأى الناس يجتمعون على الإفطار بوسائلهم الضعيفة المتواضعة.