[جمع الناس على نصرة الدين والدعوة ليس فيه مخالفة للسلف]
إننا -عباد الله- بأخذنا بذلك الهدي لا يمكن أن نلام بأننا قد نقدنا، فما يفعله أقوام من المناورة والمجادلة عندما يقولون: إن الذين سبقونا من أهل القرون الماضية قد كانوا على خير وهم خير منا، ولم يكونوا يفعلون هذا الذي تفعلونه.
إن هذه الحجة واهية؛ لأننا وأهل القرن الماضي، وأهل القرن الذي قبله جميعاً عيال على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباع لهم.
ولا يمكن أن يأتي أحد بأفضل مما جاء به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كان مقتدياً فليقتد بالأفضل، وليس ذلك طعناً في الذين قبلنا ولا نقداً عليهم، فقد أفضوا إلى ما قدموا، ونحن مهمتنا أن نستغفر لهم، وأن ندعو الله لهم، كما أثنى الله على اللاحقين من هذه الأمة بذلك.
فالله سبحانه وتعالى قد بشر بأجيال آتية في هذه الأمة في عدد من آي كتابه، فقد قال في سورة الحشر بعد ذكره للمهاجرين والأنصار، قال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠].
فهذا حالنا مع كل السابقين من آبائنا وأجدادنا والقرون السابقة نقول: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠].
ومن بشارات الله بهذه الأجيال اللاحقة قوله تعالى في سورة الجمعة: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجمعة:٣]، فهذه بشارة بالجيل الذي سيأتي.
(وآخرين منهم) أي: من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
(لما يلحقوا بهم) أي: أنهم سيلحقون، فـ (لما) هي للماضي المنقطع، معناه: أن ذلك سينقطع فسيلحقون بهم.
فهذه بشارة من الله سبحانه وتعالى بأجيال لاحقة في هذه الأمة فيها الخير العظيم، ويكفي من تشريفها أن الله سبحانه وتعالى وعدها باللحاق بالأجيال الأولى.
(لما يلحقوا بهم) هذا إخبار بأنهم سيلحقون بهم، وهذا كاف من رفع القدر والمنزلة أن يوصفوا بأنهم سيلحقون بالأجيال السابقة من هذه الأمة، وبالسابقين من المهاجرين والأنصار.
إننا عباد الله في هذا البلد في غرب هذه الأمة الإسلامية، وقد ورد في ذكر فضل غرب هذه الأمة كثير من الأحاديث، فقد أخرج مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)، وهم أهل الحق.
فعلينا أن نحرص على أن نكون من أولئك الطائفة الظاهرين على الحق الذين هم من أهل الغرب، حتى نلقى الله سبحانه وتعالى، وقد بذلنا ما عاهدنا الله عليه، وصدقنا فيما وعدناه سبحانه وتعالى.
وعلينا أن نعلم أن الله غني عنا، وأنه سيعز دينه بعز عزيز أو بذل ذليل، وأننا إذا تراجعنا عن نصرة هذا الدين فسيخرج الله من الأجيال من ينصره، ولا يخاف في الله لومة لائم، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:٥٤].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتاب عليّ وعليكم إنه هو التواب الرحيم.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي، وعلى آله وصحبه، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد بكل شيء تحب أن تحمد به على كل شيء تحمد عليه، لك الحمد في الأولى والآخرة، لك الحمد كثيراً كما تنعم كثيراً، لك الحمد أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأنصر من ابتغي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى.
أنت الملك لا شريك لك، والفرد لا ند لك، كل شيء هالك إلا وجهك، لن تطاع إلا بإذنك، ولا تعصى إلا بعلمك، تطاع فتشكر، وتعصى فتغفر، أقرب شهيد وأدنى حفيظ، حلت دون النفوس، وأخذت بالنواصي، ونسخت الآثار وكتبت الآجال، القلوب لك مفضية، والسر عندك علانية، الحلال ما أحللت، والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، والأمر ما قضيت، والخلق خلقك، والعبد عبدك، وأنت الله الرءوف الرحيم.
نسألك بعزك الذي لا يرام، وبنورك الذي أشرقت له السماوات والأرض؛ أن تهدي قلوبنا، وأن تسترنا عيوبنا، وأن تكشف كروبنا، وأن تجعل التقى زادنا، وأن تحقق مرادنا، وأن تصلح أولادنا! اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا! ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا، ولا تجعل إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا! اللهم استعملنا في طاعتك، واجعلنا هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه! اللهم اجعلنا قرة عين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، واسقنا من حوضه بيده الشريفة شربة هنيَّة لا نظمأ بعدها أبداً، وبيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وآتنا كتبنا بأيماننا تلقاء وجوهنا يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وأوهن كيد الكافرين، وانصرنا عليهم أجمعين، اللهم أظهر دينك وكتابك على الدين كله ولو كره المشركون! اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم ثبت أقدامهم وسدد سهامهم، واجمع على الحق قلوبهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم! اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم، ونعيذهم بعظمتك أن يغتالوا من تحتهم! اللهم أنزل رجزك وبأسك وسخطك وعذابك على كفرة أهل الكتاب الذين يحاربون أولياءك، ويصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك؛ اللهم لا تحقق لهم غاية، ولا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية! اللهم أخرجهم من بلاد المسلمين صاغرين يا ذا القوة المتين! اللهم طهر المسجد الأقصى من رجس اليهود، اللهم أخرجهم من بلاد المسلمين صاغرين يا ذا القوة المتين! اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين، واجعل المال في أيدي أسخيائنا! اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، واختم بالحسنات آجالنا، واجعل خير أيامنا يوم نلقاك! اللهم لا تدع في عشيتنا هذه ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضاً وفيها لنا صلاح إلا قضيتها يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تخرج أحداً منا من هذا المسجد إلا وقد غفرت له! اللهم إنك أعلم بنا منا فاقض ما في علمك من حوائجنا، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، واجعل ما نقوله ونسمعه حجة لنا لا علينا.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.