[من أوجه نهي الصلاة عن المنكر استحضار اطلاع الله على العبد]
الأمر الأول: أن الإنسان إذا سجد لله سبحانه وتعالى وهو يعلم أنه مطلع على مافي قلبه، مطلع على قرارة نفسه، ويعلم الحامل له على هذا، وأن الله يعلم وساوس نفسه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد فإنه سيستحيي منه ويستحيي أن يناقض نفسه بأن يكون هنا في المسجد ساعياً للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى خائفاً من ذنوبه وزلاته، فإذا خرج من المسجد بدأ يجمع الذنوب التي كان يستقيلها في المسجد، فهذا التناقض الواضح يخافه الإنسان فلذلك لا يفعله المصلون.
فالمصلون حقيقة الصلاة لا يمكن أن يقعوا في هذا التناقض، ولهذا قال الله تعالى:{إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلاَّ الْمُصَلِّينَ}[المعارج:١٩ - ٢٢].
ويقال: إن أبا الحسن الشاذلي حين جاء إلى أهل الإسكندرية سألهم فقال: أتجزعون وتهلعون؟ قالوا: نعم.
قال: أنتم إذاً لا تصلون.
وكان قد سألهم أولاً فقال: أتصلون؟ قالوا: نعم.
قال: أتجزعون وتهلعون؟ قالوا: نعم.
قال: إذاً أنتم لا تصلون! قالوا: أفنتركها؟ والمقصود عنده التمام الأكمل وأعلى درجات الكمال في الصلاة، فأعلى درجات الكمال في الصلاة هو أن تكون هذه الصلاة على هذا الوجه الذي ذكرناه، فيعفر الإنسان جبهته لله وهو يستقيله عثراته ويتوب من سيئاته ويعاهده أن لا يعود إلى ما لا يرضيه، ويسعى بذلك أن يكون حابساً لجوارحه في المسجد عن المعصية.