أجنحة العلم التي يحتاج إليها الطالب ليصل إلى المستوى المطلوب في دراسته كثيرة، وأول هذه الأجنحة: الإخلاص لله سبحانه وتعالى وتقواه؛ لأن العمل الذي يقرب إلى الله ويقصد به وجهه الكريم؛ إذا خلا من الإخلاص لم يتحقق فيه مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، فيكون مغايراً لقناعة الإنسان، فشهادة أن لا إله إلا الله تقتضي أن يكون العمل خالصاً لوجهه الكريم، وشهادة أن محمداً رسول الله تقتضي أن يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من عند الله، وإذا خلا العمل من الإخلاص ومن الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان عملاً مردوداً على صاحبه، لا يمكن أن يقبل بوجه من الوجوه، فقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه عز وجل:(أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)، فلذلك لابد من الإخلاص في الطلب، ولاشك أنه في كثير من الأحيان يغفل طلاب العلم عن الإخلاص، فيشعرون أنهم يدرسون من أجل النجاح في الامتحان، أو من أجل التفوق والتميز على قرنائهم، أو حتى من أجل بعض المآرب الدنيوية، وكل هذه الأمور تحصل للطلاب، لكن على الإنسان أن يحقق إخلاصه، وأن يراجع نيته في كل فترة، لابد أن يراجع نفسه عند بداية دراسته، وعند دخوله للقسم، وعند سماعه لأية محاضرة، وعند فتحه لأي شريط، وعند مطالعته لأي كتاب، فيراجع نيته ويجدد إخلاصه لله سبحانه وتعالى، فقد قال ابن عيينة رحمه الله: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله، والعلم النافع مذكر بالله حتى لو دخلته بنية أخرى ستذهب تلك النية، فلابد أن تراجع نيتك وأن تجددها في كل وقت، وهذا مما يبلغ به الإنسان الدرجات العلى؛ لأنه كلما ازداد تقىً لله كلما فتح الله له خزائن من خزائن العلم لا يمكن أن ينالها بطاقته وجهده، فالله تعالى يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}[الأنفال:٢٩]، وهذا الفرقان يميز الإنسان به بين الحق والباطل، وتظهر له الأمور على حقيقتها؛ ولذلك فالتقوى سبب لنيل الإنسان لعلوم لم يكن لينالها بجهده، ولا يصل إليها في عمره، وليس له شيخ يعلمه إياها، وليس فيها كتب ومؤلفات، وليس عنده الوسائل لنيلها، لكن بتقواه لله تفتح له تلك العلوم؛ ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى آتى الخضر من لدنه علماً، وامتن على النبي صلى الله عليه وسلم بهذا العلم اللدني فقال:{وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}[النساء:١١٣]، والذين يلتمسون ما عند الله بتقواه والتقرب إليه عرفوا من أين تؤكل الكتف، وعرفوا الباب فدخلوا منه فاستقاموا.
ولاشك أن هذا الإخلاص تشوبه الشوائب، وأن التقوى تقع فيها الخدوش بمخالطة الناس والأهواء وبغير ذلك، لكن لابد أن يعالج الإنسان ذلك، وأن يستمر على الطريق ولا يتراجع، فيحاول إصلاح نفسه مع طول الوقت.