للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحكمة من استغفار أويس لسيدنا عمر]

السؤال

ما الحكمة من أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب أن يطلب من أويس أن يستغفر له، مع أن عمر خير من ملء الأرض من أمثال أويس؟

الجواب

هذا من التنويه ببعض رجال هذه الأمة، ومن البيان أن المزية لا تقتضي التفضيل، فهذه الأمة جاءت فيها أحاديث متعددة، جاء فيها أحاديث: (مثل أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره)، وجاء تفضيل سلفها في قوله: (خير القرون القرن الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري: (يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى محمداً؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى من رأى محمداً؟ فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى من رأى من رأى محمداً؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم).

وجاء في مقابل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (وددت لو رأيت إخواننا، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي، وإخواني قوم آمنوا بي ولم يروني للواحد منهم أجر خمسين، قالوا: يا رسول الله منا أو منهم؟ قال: بل منكم، إنكم تجدون على الحق أعواناً ولا يجدون على الحق أعواناً)، فهذه مزية، وهي لا تعني التفضيل.

بل أفضل الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضلهم الخلفاء الراشدون، ثم بقية العشرة، وأهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان، فهذا التفضيل المعروف، لكن من دونهم فيهم خير كثير أيضاً، وربما يكون لبعضهم مزايا ليست لبعض الصحابة، فبعض الصحابة غير مستجاب الدعاء في كل شيء وبعضهم مستجاب الدعاء في كل شيء بحيث لا يدعو إلا استجيب له في الحال مثل سعد بن أبي وقاص وليس أفضل من علي وعثمان، وهما قد لا يستجاب لهما في بعض دعواتهما، فالمزية لا تقبل التفضيل.

وكذلك أويس القرني بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم مزيته، وبعث بذلك الأمل والمنافسة في أمته، ولهذا اختلف العلماء في تفسير قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه)، فقالت طائفة: المقصود بزمان الصحابة فقط، وهذا رأي الحافظ ابن حجر وغيره؛ لأن زمان أبي بكر خير من زمان من بعده، ثم زمان عمر، ثم زمان عثمان، ثم زمان علي، ثم كل زمان يكون الذي بعده شراً منه إلى أن انتهى عصر الصحابة، فجاء بعدهم عمر بن عبد العزيز فكان زمانه خيراً من زمان الذين سبقوه من أمراء بني أمية.

وقالت طائفة: المقصود بذلك في بعض جوانب هذه الأمة في العلم والإيمان ونحو ذلك على الجملة، فالزمان الأول زمان النبي صلى عليه وسلم ما عرف فيه كثير من الفواحش التي ظهرت فيما بعد، وكذلك زمان الخلفاء الراشدين ما عرف أن أحدهم ارتد عن الإسلام في زمن الخلفاء الراشدين وأقيم عليه حد الردة إلا شخص أو شخصان في العراق قتلهم ابن مسعود، وكذلك ظهور البدع ونحو هذا، وهذه لا تزال تكثر حتى في أيام عمر بن عبد العزيز، وفي أيام من دونه من الخلفاء.

فعلى هذا يكون المقصود أن الزمان السابق نفسه له فضله، والزمان اللاحق شر منه باعتبار فضل الزمن نفسه لا بفضل أهله، ولا باعتبار ما يحصل فيه من العافية أو الخير أو انتشار الإسلام أو انحساره، فالعبرة بنفس الزمان، فالقرن الأول أفضل من القرن الثاني، والقرن الثاني أفضل من القرن الثالث، وهكذا.

لكن العبرة بالقرن نفسه أو بالسنة نفسها.

وقيل: المقصود البركة، فالزمان الأول كانت الأعمار مباركاً فيها بركة عجيبة جداً، بحيث يقطع الرجل الأشواط على أرجله من مسافات شاسعة في الفترات القليلة التي لو قسناها اليوم بعملنا لوجدنا فرقاً شاسعاً، وهذا سيأتي ما هو شر منه في آخر الزمان فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كاشتعال السعفة من سرعتها، إلا في أيام الدجال فاليوم الأول كسنة، واليوم الذي يليه كشهر، واليوم الذي يليه كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم.