للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى الإيمان بالكتب]

قوله: (والكتب حق والملائكة حق): الكتب: جمع كتاب، والكتاب في الأصل فعال اسم آلة من كتب الشعر بمعنى خاطه، ولما كانت الأوراق التي يكتب بها العلم تصير هكذا سمي الذي يجتمع فيه عدد من الأوراق وتخاط كتاباً، ثم انتقل هذا إلى الحرفة نفسها، فكان رسم الحروف يسمى كتابة، ويسمى خطاً، ولذلك يطلق على الصحفة الواحدة (كتاب)، ولذلك قال الله تعالى في قصة سليمان عليه السلام حكاية عن ملكة سبأ: {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل:٢٩ - ٣٠]، (كتاب كريم) ليس معناه أنه كثير من الأوراق المخيطة بل هو هذا اللفظ فقط: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل:٣٠ - ٣١]، فهذا كتاب.

ولهذا فإن ما يكتبه الإنسان إلى غيره من الرسائل يسمى كتباً يقال: أرسل فلاناً كتاباً، وقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً إلى هرقل وكتاباً إلى كسرى، وكتاباً إلى النجاشي، وكتاباً إلى صاحب دومة الجندل وهو أكيدر دومة وكتاباً إلى ابني جلندا وكتاباً إلى المنذر بن ساوى صاحب البحرين؛ هذه كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الله، كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في صحيح مسلم.

فالمقصود بذلك ورقة واحدة فيها الخطاب الذي يوجهه إليهم، وقد عرفنا أن هذا قد انتقل عدة انتقالات، فالأصل الخياط وهي كناية عن الأوراق التي تخاط، ثم انتقل ذلك إلى الورقة الواحدة التي كتب فيها فسميت كتاباً، ولهذا يقول العرب: (كتب الأحباب أحباب الكتب) أي: الكتب التي تأتيك من أحبتك هي أحب الكتب إليك.

يقول الشاعر: إذا الإخوان فاتهم التلاقي فما صلة بأنفع من كتاب أي: أن يكتب بعضهم إلى بعض.

والكتب اصطلاحاً: المقصود بها كتب الله، أي وحيه الذي أنزل على عباده سواء جاءت من عند الله مكتوبة كالتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وغيرها، أو جاءت منزلة على قلب الرسول الذي يوحى إليه كالقرآن، فالقرآن لم يأت من عند الله مكتوباً، بل لم يكتب كتابة جامعة له في مكان واحد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، إنما كان جمعه في أيام أبي بكر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وقد كان يكتب في حياته لكن في صحف متفرقة وفي ألواح وفي جلود وغير ذلك.

فلهذا قال الله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:٤٨ - ٤٩]، فهو الذي في الصدور.

وجاء في الحديث: (إن أناجيل أمتي في صدورها)، وكذلك في حديث عياض بن حمار المجاشعي في صحيح مسلم: (إن الله تعالى قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: وإني أنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء تقرؤه نائماً ويقظان) فقوله: (لا يغسله الماء)، أي: ليس مثل الكتب التي تكتب على الألواح فتغسل، إنما هو مكتوب في الصدور، ولهذا قال: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:٤٨ - ٤٩].