أما النوع الثاني: فهو التوسل: والتوسل بالأشخاص بذكرهم في الدعاء معناه التوسط بهم إلى الله، كأن يقول الإنسان: أتوجه إليك بفلان أو بعمل فلان -مثلاً- فهذا لا خلاف في تحريمه، وأنه من الكبائر، وأنه إذا قصد به إضفاء صفة من صفات التأثير عليه يكون شركاً أيضاً.
وإذا لم يقصد به إضفاء صفة إليه وإنما هو لضعف علاقة الإنسان بالله، ولضعف ثقته بإيمانه، فهو أيضاً نقص في الإيمان ونقص حتى في العقل؛ ولذلك لم يختلف في تحريم التوسل بالأشخاص إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم وحده، فقد سبق أنه اختلف في جواز التوسل بشخصه صلى الله عليه وسلم، وهو خلاف فقهي ذكرنا أن الراجح فيه هو المنع، وأن الحديث الوارد في ذلك وإن صححه كثير من أهل الحديث إلا أن الراجح أنه لا يصح، أعني حديث الضرير، وذكرنا علله الأربع فيما سبق، فلذلك قال:(لا تجعلوا إذا دعوتم)، أي: إذا سألتموه، (وسطا).
قوله:(وسطا) جمع وسيط، والوسيط هو الذي يشفع، فهذا يشمل أمرين: يشمل تحريم دعاء من دونه، وهذا شرك قطعاً، وهو شرك الدعوة، ويشمل كذلك تحريم التوسط والتوجه إليه بخلقه، فإنه لم يشرع ذلك ولم يعلمنا إياه، وهذا وإن كان يمكن ألا يصل إلى درجة الشرك -كما ذكرنا- لكنه نقص في الإيمان، ونقص في ثقة الإنسان وعلاقته بالله، ونقص في عقله أيضاً.
ومن يجعل بينه وبين الله واسطة ليشفع له ألا يعلم أن هذا الشافع محتاج إلى أن يتقرب إلى الله بالعمل بنفسه، فكيف يتقرب غيره بعمله؟! ولهذا رد الله تعالى هذا بقوله:{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ}[الإسراء:٥٧]، فهم أنفسهم يبتغون إلى الله سبحانه وتعالى الوسيلة، ويتقربون إليه فكيف يتقرب بهم.
قوله:(وسطا بينكم وبينه) أي: في الدعاء.
قوله:(فهو خطأ) أي: فهو إثم، والخطأ والخطء كلاهما اسم للإثم، والله سبحانه وتعالى يطلق الخطأ والخطء على الإثم مطلقاً حتى الشامل للشرك، فالشرك إحدى الكبائر، والخطأ بمعنى الذنب وهو يشمل الكبائر والصغائر.
والمقصود أنه قد يكون شركاً أكبر، كما إذا كان دعاء لمخلوق واستغاثة به، وقد يكون دون ذلك -أي: شركاً دون شرك- مثل التوسل به.
والضمير هنا في قوله:(فهو خطا) يعود على الجعل المفهوم من الجملة السابقة، فإن قوله:(لا تجعلوا) يُفهم منها المصدر الذي هو الجعل، فلذلك قال:(فهو) أي: جعل وسيط من دونه، بينكم وبينه خطأ.