[علاقة السنة بالقرآن]
وعند قوله: (وإن لم يأت في كتابه) تأتي علاقة السنة بالقرآن، وقد ذكر العلماء ستة أوجه في علاقة السنة بالقرآن: الوجه الأول: أن تكون السنة مفسرة للقرآن، أي: شارحة له، وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث حفصة: (ألا إن الورود العبور)، وذلك تفسير لقول الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم:٧١]، فبين أن الورود المقصود به العبور على الصراط.
ومثل قوله: (المغضوب عليهم اليهود، والضالون النصارى).
الوجه الثاني: أن تكون مخصصة لعام القرآن، وذلك مثل قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:٣٨]، فهذا عام؛ لأن (أل) في السارق حسية تشمل كل سارق، وكذلك السارقة، وقد خصص ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق النصاب، وبين أنه ليس فيما دون ثلاثة دراهم قطع، وأنه من أخذ بفيه غير متخذ خبنة فلا قطع عليه، فهذا كله تخصيص للعام.
الوجه الثالث: أن تكون السنة مقيدة لمطلق القرآن، مثل قول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:١٩٦]، فإن الله أطلق الصيام والصدقة والنسك، ولكن قيد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث كعب بن عجرة فقيد الصيام بثلاثة أيام، والإطعام بستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، والنسك بشاة.
الوجه الرابع: أن تكون السنة ناسخة للقرآن، وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)، كما في حديث عبادة بن الصامت.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث).
فالحديث الأول ناسخ لآية النساء وهي قول الله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء:١٥] , فبين ذلك السبيل السنة.
والحديث الثاني ناسخ لقول الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:١٨٠].
وهذه وإن كانت محل خلاف لكن الراجح أنها منسوخة بالسنة فقط وليست بالكتاب؛ لأن السنة هي التي بينت أنه لا وصية لوارث، أما الكتاب فليس فيه تصريح أنه لا وصية لوارث.
الوجه الخامس: أن تكون السنة منسوخة بالكتاب، وذلك مثل صلاته صلى الله عليه وسلم سبعة عشر شهراً إلى الشام بالمدينة فنسخ ذلك بقوله: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:١٤٤]، فنسخت السنة بالكتاب.
الوجه السادس: أن تكون مضيفة حكماً ليس في الكتاب، وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (كل ذي مخلب من الطير فأكله حرام، وكل ذي ناب من السباع فأكله حرام).
ومثل حديث أبي هريرة رضي الله عنه (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها وخالتها).
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، فهذه إضافة أحكام ليست في القرآن، لكن الحكم الأخير وهو تحريم نشر الحرمة بالرضاع، أصله في القرآن وهو قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء:٢٣]، لكن لم يذكر الخالات من الرضاعة ولا العمات من الرضاعة ونحو ذلك، وقد ذكر ذلك في هذا الحديث.
أما الحديثان الأولان حديث النهي عن كل ذي مخلب من الطير، وكل ذي ناب من السباع، وحديث النهي عن أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها، فهذا قطعاً فيه إضافة حكم ليس في القرآن.