إن الإنسان المخلص الصادق يعلم أن الله امتحنه بما جعل تحت يده، وأن عليه أن يقوم لله بالحق الذي فيه، فإن لله حقاً في هذا المال، وهذا الحق لا بد أن يعرفه الإنسان في ماله، وأن يؤديه، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج:٢٤ - ٢٥]، وقال الله تعالى:{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[الذاريات:١٩]، لا بد أن يعلم الإنسان هذا الحق أولاً ثم يؤديه بعد ذلك.
فقوله تعالى:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ}[المعارج:٢٤] أي: يقدرونه في أنفسهم، ويعلمون الحق الذي عليهم؛ فلذلك يقوم الأغنياء بمسئوليتهم تجاه الفقراء، ولا يعفى الفقراء أيضاً من الإنفاق، بل الإنفاق خطاب عام يستوي فيه الغني والفقير، الجميع مخاطب، لكن كل ينفق على حسب طاقته، فالله عز وجل يقول:{لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق:٧]، وقد بين أنس رضي الله عنه كما في الصحيح: أن الفقراء القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يذهبون إلى الجبل فيحتطبون، فيبيعون الحطب، فيتصدقون بثمنه على الفقراء، وكانوا يقومون الليل، ويعلمون الناس القرآن، فيأخذ أحدهم حبله في الصباح ويذهب إلى الجبل، فيأتي بالحطب، فيبيعه، فينفق به على أسرة فقيرة، فيكون قد زكى نفسه وماله: زكى نفسه بإعمالها في مرضات الله، وتحركها في عمل الخير، والنفوس التي لا تتحرك ستبقى جامدة، ويركبها الشيطان عند ذلك، لكن الحركة في الخير بركة؛ فلذلك يتحرك هؤلاء للزكاة التي قال الله فيها:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}[الأعراف:١٥٦].
وقد قال تعالى عن الكافرين:{الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}[فصلت:٧]، فبين أن المرحومين هم المؤمنون الذين يؤتون الزكاة، وأن المشركين -المسخوط عليهم، الذين لهم الويل- هم الذين لا يؤتون الزكاة، وهذه الزكاة تشمل الصدقة الواجبة وغيرها، وهي شاملة لزكاة البدن، وزكاة المال، وزكاة الوقت، وزكاة الجاه، وزكاة العلم، كل ذلك داخل فيما تجب زكاته.