القسم الأول: النية: والنية هي توجه القلب إلى الشيء وقصده، وهي التي يمتاز بها الفعل عن غيره مما يشابهه ويحاكيه، فتتميز بها العبادة عن العادة، ويتميز بها الفرض عن النفل، فلا يقع ذلك إلا بالنية، ولذلك كانت شرطاً لأداء العبادة وصحتها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، وبهذه النية يتفاوت العمل تفاوتاً عظيماً؛ فهي تفسير الأعمال، ويضاعف العمل اليسير بهذه النية إذا صدق فيها صاحبها وأخلص، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي قاتل فقتل:(لقد عمل هذا قليلاً وأجر كثيراً).
وهذه النية يكتب في ميزان حسنات الإنسان بها ما لم يعمله إذا نواه، فمن نوى الخير متى ما قدر عليه كتب له ولو لم يفعله؛ ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أن رجلاً كان فيمن قبلنا مر على كثيب أهيل من رمل، فقال: لو أن لي مثله سويقاً فأنفقه في سبيل الله، فلما مات عرضت عليه صحائف أعماله فإذا فيها كثيب أهيل من سويق، فقال: يا رب! من أين لي هذا وما رأته عيناي قط قال: أتذكر يوم كذا عند أن مررت على كثيب أهيل من رمل فقلت: لو أن لي مثله سويقاً فأنفقه في سبيل الله؛ فقد تقبلته منك).
ولذلك فنية المؤمن هي من عمله، فيثاب الإنسان إذا نوى صيام رمضان ولو مات قبل أن يبلغ رمضان، ويثاب بأجر الشهادة في سبيل الله إذا سأل الشهادة صادقاً ولو مات على فراشه، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من سأل الله الشهادة في سبيله صادقاً بلغه الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه)، وقد قال الله تعالى:{وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[النساء:١٠٠].
وكذلك ينال الإنسان ثواب شيء لم يقع أصلاً ولم يخلق، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بين أحوال الناس في الدنيا فذكر أربعة أحوال فقال:(إنما الدنيا لأربعة: رجل آتاه الله فقهاً ومالاً فهو ينفق ماله فيما يقرب إلى الله، فهو بأعلى المنازل.
ورجل أتاه الله فقهاً ولم يؤته مالاً فهو يقول: لو أن لي مالاً لفعلت فيه ما فعل هذا، فهما في الأجر سواء.
ورجل أتاه الله مالاً ولم يؤته فقهاً فهو يضرب فيه يميناً وشمالاً في معصية الله، فهو بشر المنازل.
ورجل لم يؤته الله مالاً ولم يؤته فقهاً فهو يقول: لو أن لي مالاً لفعلت فيه مثلما فعل هذا، فهما في الوزر سوا).
فلذلك يثاب الإنسان على أمر لم يخلق إذا أحسن النية فيه لله سبحانه وتعالى، وقد كان كثير من سلفنا الصالح يستعد لرمضان قبله، وللعبادات كلها بنيته، فيحاول مع نفسه حتى يخلص النية ويصدق، ويتأهب بذلك للعبادة قبل أن يأتي وقت أدائها؛ فإن مات قبلها مات في طريقها؛ وهو في صلاة منذ خروجه إليها، وإن بلغ إليها جاءها مستعداً قد تخلص من كل الشواغل والملهيات، وأقبل عليها بقلب سليم.