للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مراتب استشعار النعمة وشكرها]

السؤال

كيف يستشعر الإنسان نعمة الله عليه، وما شكر النعمة؟

الجواب

استشعار النعمة بثلاث رتب: الرتبة الأولى: أن ينظر الإنسان إلى هذه النعمة فيقر بها ويعرفها بوجودها لا بزوالها.

الرتبة الثانية: أن يتذكر من أين له هذه النعمة، حتى لا يقول ما قال قارون: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ} [القصص:٧٨].

الرتبة الثالثة: أن يقيدها بالشكر، والشكر يشمل الشكر اللساني بأن يذكر نعمة الله، والله سبحانه وتعالى يحب أن تشكر نعمه، وقد ارتضى لعباده ذلك وأرشدهم للشكر فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢]، وهذا هو أبلغ شكر يشكر الله به، فأبلغ ما يشكر الله به الثناء عليه بما أثنى به على نفسه، ثم بعد ذلك الشكر الفعلي، وهو بصرف تلك النعم فيما يحب الله صرفها فيه، وأن يعلم الإنسان أن كثيراً من الناس يدعي المعاذير لنفسه، ومنهم النفر الذين هم أول من تسعر بهم النار -نسأل الله السلامة العافية-، وهؤلاء النفر الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار أحدهم آتاه الله علماً فعلّم، فأتى به يوم القيامة فعرفه نعمته عليه فعرفها، فقال: فما عملت فيها؟ فقال: يا رب! علمتها فيك.

فيقول الله: كذبت.

وتقول الملائكة: كذبت، إنما علمت ليقال: عالم.

فقد قيل.

فيؤمر به فيجر على وجهه فيرمى في النار -نسأل الله السلامة والعافية-.

والثاني: رجل آتاه الله من أصناف المال ما آتاه، فدعاه يوم القيامة فعرفه نعمته عليه فعرفها، فقال: فما عملت فيها؟ قال: لم يبق وجه تحب أن يصرف فيه المال إلا صرفته فيه.

فيقول الله: كذبت.

وتقول الملائكة: كذبت، إنما أنفقت ليقال: جواد.

فقد قيل.

فيؤمر به فيجر على وجهه فيرمى في النار.

والثالث: رجل قواه الله في بدنه فقاتل حتى قتل، فدعاه الله يوم القيامة فعرفه نعمته عليه فعرفها، فقال: فما عملت فيها؟ فيقول: يا رب! جاهدت فيك حتى قتلت.

فيقول الله: كذبت.

وتقول الملائكة: كذبت، إنما قاتلت ليقال: شجاع.

فقد قيل.

فيؤمر به فيجر على وجهه فيرمى في النار.

ولهذا قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:٥].

فالإخلاص هو أساس هذا العمل كله، ولا يمكن أن يستشعر الإنسان نعمة الله عليه وأن يشكرها إلا إذا أخلص في ذلك الشكر لله سبحانه وتعالى، وأدى الحق الذي لله عليه في ذلك، ومن هنا فالأوقات كلها نعم على الإنسان أن يستشعرها وأن يصرفها في الوجه الصحيح، وكثير من الناس يقول: أنا أفعل كذا أقتل به الوقت.

كأن الوقت عدو له، وما له عدو إلا هذا الوقت الذي يريد القضاء عليه وقتله.