[النوع الثالث: التعبدات الفعلية]
النوع الثالث من أنواع العبادات في الصلاة هو الأفعال.
فذكرنا النيات وهي عمل القلب، والأقوال وهي عمل اللسان، والنوع الثالث من التعبدات في الصلاة هو عمل الجوارح، وهذا أهم شيء فيه القيام والسجود، فهما طرف الصلاة، القيام طرفها الأعلى؛ لأن الإنسان ينتصب فيه، والسجود طرفها الأدنى؛ لأن الإنسان يخفض فيه أعاليه ويرفع فيه أسافله، وبذلك فهما الطرفان, وبينهما واسطتان وهما الركوع والجلوس، فهذه هي أفعال الصلاة، وهذان الطرفان اختلف فيهما أيهما أفضل: طول القيام أو كثرة السجود؟ قالت طائفة من أهل العلم: كثرة السجود أفضل؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)، ولأن السجود شرع دون قيام كسجود التلاوة، وسجود الزلزلة، وسجود الشكر وغير ذلك.
وقالت طائفة أخرى: بل القيام أفضل؛ لأن الإنسان فيه يتلذذ بقراءة القرآن وبحقيقة المناجاة، وهو الذي يبتدئ به صلاته ويفتتحها به.
إلا أننا نقول: إن الله سبحانه تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} [الفرقان:٦٤]، فبدأ بالسجود قبل القيام، ولا شك أن دلالات القرآن معجزة، فهذا مشعر بتفضيل السجود على القيام.
ومع ذلك فإن القيام عبادة فعلية فاضلة جداً، فالإنسان ينتصب لرب العالمين ويتذكر الوقوف بين يديه عندما يأتي يوم القيامة حافياً عارياً غير مختون، ينظر أيمن منه فلا يرى إلا عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا عمله، يأتي متجرداً لله سبحانه وتعالى، فينتصب ويقف بين يديه كما يقف الناس لرب العالمين يوم القيامة.
وبهذا ينبغي أن يستحضر الإنسان إذا وقف في الصلاة هذا الوقوف، وبذلك ينصرف عن الانشغالات الأخرى، ولا يكثر الحركة ولا يكثر التصرفات المختلفة، فهو واقف بين يدي ديان السماوات والأرض يناجيه ويخاطبه.
ثم الركوع الذي هو المرحلة التي تلي القيام، وهو أيضاً إشعار بالمذلة لديان السماوات والأرض لكبريائه وجلاله، وأدب معه.
ثم بعد ذلك الجلوس، وهو استراحة الإنسان في الصلاة ليتذكر ما يناجي به في السجود.
وكذلك وداع الصلاة، ففيه تسليمها الذي هو التحليل، فهذه هي الأركان الفعلية.
والتحسينات الفعلية الأخرى منها الرفع أولاً، وقد ذكرنا أنه نبذ للدنيا وراء ظهره.
ومنها القبض، وحكمته كذلك رباطة الجأش وإمساك القلب، ومنع اليدين من التصرف؛ لأن الأنسان إذا قبض يديه واستشعر أن يديه في عبادة لايمكن أن يكثر الحك ولا تقليب ملابسه ولا تصرفاته الأخرى، أما إذا كانت يداه في حرية كاملة فربما زلت به قدمه فأوقع به الشيطان في بعض الحركات أو الحكات أو غير ذلك.
كذلك الالتفات بالسلام، فهو من فضائل الأفعال في الصلاة، فإذا التفت الإنسان عن يمينه وسلم والتفت عن شماله وسلم فإن ذلك مقتض للخروج من جلال الصلاة وإدراك منه لعظمة ما كان فيه، وتسليم على من معه من المسلمين، وسعي متجدد لأن يجدد العبادة مرة أخرى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:٧ - ٨]، هذه هي الصلاة.