إننا جميعاً نعلم أن الله غني عنا، وأنه هو الغني الحميد، وأنه إنما أرسل إلينا هذا الرسول صلى الله عليه وسلم امتحاناً لنا، وأنه غني عن جهادنا، وغني عما نبذله من أموال، وأخبر أنه لا يسألنا أموالنا فقال:{إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ}[محمد:٣٧]، ولكنه يحضنا على أن نقدم خيراً لأنفسنا، وحينئذ فإنه سيحفظه لنا حتى نناله في وقت الحاجة إليه، (يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيها لكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)، الظالم إنما يظلم نفسه، والمطيع المتقي إنما يقدم ذلك لنفسه، فالله غني عن كل ذلك، والله سبحانه وتعالى حين أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم بهذا الدين لم يجعله بدار هوان، ولم ينزله إلى هذه الأرض ليتخذ ظهريا، وإنما أنزله وتعهد بأن يظهره على الدين كله ولو كره المشركون، ولو كره الكافرون، وأن لا يبقى بيت حجر ولا مدر إلا دخله هذا الدين، وأن يبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، تعهد بذلك الله سبحانه وتعالى وهو الذي لا يخلف الميعاد، فقطار الدين منطلق، والالتحاق بركبه مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها، وما علينا إلا أن نبادر ونسارع، فالله سبحانه وتعالى شرع لنا هذه المسابقة والمسارعة، فقال تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران:١٣٣ - ١٣٤]، إن الملتحق بهذا الركب إنما يقدم لنفسه، وإنما يتشرف هو، ولن يشرف هذا الدين ولن يزيده شيئا، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى فيما روى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم:(يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد منكم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر).