للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى الإيمان في كلام الشرع]

والإيمان جاء في الشرع على إطلاقين: الإطلاق الأول: على الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو دين الإيمان ودين الإسلام، وحينئذٍ يترادف الإيمان والإسلام في التسمية، فهذا الدين اسمه الإسلام واسمه الإيمان أيضاً، فيدخل في ذلك شعبه كلها، وهي كما في الحديث: (الإيمان بضع وستون شعبة) وهذا لفظ البخاري، وفي صحيح مسلم: (بضع وسبعون شعبة)، وقد ذكر منها أن أدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأعلاها قول لا إله إلا الله.

فالمقصود: أن كل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الاعتقادات والأقوال والأعمال والأخلاق والقيم، داخل في مسمى الإيمان بإطلاقه العام، وهذا الإطلاق هو الذي تجدونه في بعض النصوص الشرعية التي لا يذكر فيها الإسلام معه، مثل حديث وفد عبد قيس، فإنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: (آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟)، وعلمهم الإيمان بالله وحده، وهو أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله وأن يقيموا الصلوات الخمس، وأن يؤدوا خمس المغنم، فهذا كله من الأعمال، وهو مسمى الإسلام أيضاً.

أما الإطلاق الثاني للإيمان: فهو على جزء الاعتقاد من هذا الدين، أي: على الجانب العقدي من هذا الدين، وهو الذي يسمى إيماناً بالمعنى الخاص، وقد جاء ذلك في قول الله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:١٤]، وجاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل حين سأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)، وجاء كذلك في حديث سعد بن أبي وقاص في الصحيحين: (أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالاً وترك رجلاً، فقلت: يا رسول الله، مالك عن فلان فإني والله لأراه مؤمناً؟ فقال: أو مسلماً؟ فسكت، ثم غلبني ما أعرف منه فقلت: يا رسول الله، والله إني لأراه مؤمناً؟ فقال: أو مسلماً؟ ثم سكت، ثم عدت فعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمثل مقالتي، ثم قال: يا سعد إني لأعطي أقواماً خشية أن يكبهم الله على وجوههم في النار).

فهذا الحديث فيه تفريق بين الإيمان والإسلام، وكذلك في حديث جبريل السابق، وكذلك في آية سورة الحجرات، والمقصود بذلك أن الجانب العقدي من الإيمان يسمى إيماناً من باب تسمية الشيء باسم بعضه، مثل تسمية الإنسان الذي يُعتَق رقبة، والرقبة إنما هي جزؤه، ومثلما تقول: لدي خمسون رأساً من الغنم أو خمسون رأساً من الإبل، فهذا من تسمية الشيء باسم بعضه.