للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإيمان بالملائكة]

قوله: (والملائكة حق): كذلك من أركان الإيمان الإيمان بالملائكة، والملائكة جمع ملك بالفتح، وأصل الكلمة: (مألك) والمألك والمألكة الرسالة، ويقال فيه: المألَك والمألَكة والمألُك والمألُكة.

ومنه قول عدي بن زيد: أبلغ النعمان عني مألكاً أنني قد طال حبسي وانتظاري لو بغير الماء حلقي شرق كنت كالغصان بالماء اعتصاري والمألكة والمألك والمألكة والمألُك كلها من معنى الرسالة، ثم انتقلت من ذلك إلى الدلالة على حامل الرسالة، فالذي يحمل الرسالة يسمى مألكاً ومألُكاً، وسمي عباد الله المكرمون الذين يبلغون رسالاته إلى أنبيائه بالملائكة اشتقاقاً من ذلك.

وليس كلهم يبلغون هذه الرسائل، ولا كلهم مبلغين عن الله، بل منهم ملائكة السماوات وملائكة الأرضين الأخرى، وهم من أكثر جنود الله: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:٣١] ولذلك عد العلماء أن مع الإنسان واحداً وعشرين ملكاً، منهم المعقبات التي مع الجوارح {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} [الرعد:١١]، ومنهم صاحب اليمين وصاحب الشمال اللذان يكتبان الحسنات والسيئات، ومنهم قرينه من الملائكة.

ويتعلق به عدد سواهم مثل ملك الموت: (والملائكة الذين وجوههم كالشمس باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم)، يعني: أحضروا أنفسكم.

ومنهم ملكا السؤال اللذان يأتيانه في قبره.

فإذا جمع هؤلاء وصل العدد إلى واحد وعشرين ملكاً لكل إنسان.

وهؤلاء منهم المثبتون ومنهم الكروبيون ومنهم أنواع أخرى، والمقربون أعلاهم منزلة.

ويجب الإيمان بالملائكة إجمالاً، ويجب الإيمان تفصيلاً بمن سمي منهم، كجبريل وميكائيل وفيهما لغات كثيرة، فجبرائيل فيه تسعة وعشرون لغة.

وكذلك ميكائيل فيه لغات متعددة، وكذلك مالك خازن النار، وكذلك إسرافيل الذي جاء ذكره في الأحاديث الصحيحة، وكذلك صاحب اليمين وصاحب الشمال اللذان يكتبان عمل الإنسان، فصاحب اليمين يكتب الحسنات وصاحب الشمال يكتب السيئات: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:٩ - ١٢].

المرتبة الثالثة من مراتب الإيمان بالملائكة: الإيمان بأنهم جميعاً عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، حتى لو كان الفعل الذي أمروا به بالنسبة للبشر معصية، فإنه بالنسبة لهم طاعة إذا أمروا به، مثل السجود لآدم، ومثل تعليم الناس السحر بالنسبة لهاروت وماروت، فالسحر نفسه كفر بالنسبة للبشر، لكنهم تعبدهم الله بأن يعلموهم، وهذا محنة للبشر مثلما امتحنهم بنزول الأوبئة والأمراض.

وهؤلاء الملائكة وصفهم الله سبحانه وتعالى بأنهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ووصفهم بأوصاف أخرى مثل قوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير:١٩ - ٢١]، وكذلك قوله تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم:٥ - ٦] والمرة القوة، فهذا يقتضي تمام قوتهم وقوة خلقهم.

وكذلك قول الله تعالى في وصفهم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر:١] وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصف بعضهم بعض ذلك، مثل قوله في جبريل: (إن له ستمائة جناح ما بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب)، وكذلك جاء عنه في حديث حملة العرش -وإن كان الحديث قد تكلم فيه- أنهم مثل الأوعال بين شحمة أذن أحدهم وظلفه خمسمائة عام، وهذه المسافة كالمسافة ما بين كل سماء وسماء، وما بين السماء والأرض.

فهذا معنى قوله: (والملائكة حق).