هذه البقعة من الأرض لها أسماء متعددة: فقد اشتهرت في القديم بأرض المرابطين الملثمين، واشتهرت قبل ذلك ببحر الرمال، واشتهرت بعد ذلك ببلاد التكرور، واشتهرت أيضاً بعد هذا ببلاد غانة، واشتهرت في فترة من الفترات ببلاد أوداجست، واشتهرت أيضاً ببلاد مالي، ثم سماها المستعمر بلاد موريتانيا، وهذه كلمة رومانية، وهي مركب إضافي أصلها مورأيتاه، ومعناها: أرض السمر أو أرض المسلمين، وكلمة (المورو) تطلق في اللغات الأوروبية كلها على المسلمين، وهي مشتقة من السحنة العربية؛ لأنهم عرفوا أن العرب هم الذين نقلوا الإسلام إلى بلاد أوروبا، فسموا كل المسلمين بهذا الاسم؛ ولذلك تسمعون الآن (المورو) في أسبانيا، وهم بقايا المسلمين الذين نجوا من محاكمات التفتيش التي كانت تقام عندما خرج المسلمون من بلاد الأندلس، وتسمعون جبهة (المورو) في جنوب الفلبين في مشارق الأرض، وهم المسلمون الموحدون الذين يخلصون العبادة لله تعالى ويجاهدون في سبيله، وكذلك أنتم سموكم بهذه التسمية ولم يريدوا بها إعزازكم، ولكنها وافقت أن هذه التسمية لا تطلق إلا على المسلمين، وأنتم سماكم الله المسلمين على لسان إبراهيم، ثم من بعده سماكم بهذا الاسم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، ويكفيكم الاسم الذي سماكم الله تعالى، ولكن هذا من باب التعارف.
هذه الرقعة لم تعرف الحضارة قديماً، وإنما كان أهلها بدواً يعيشوا على نتاج حيواناتهم، وبعض الثروات السمكية، وأيضاً على بعض الزراعة القليلة في الجنوب وفي بعض السهول في بعض هذه المناطق.
وكانت حدودها ليست الحدود الجغرافية المعروفة الآن في تاريخنا هذا، بل كان يدخل فيها بعض المناطق الأخرى، فمثلاً جنوب الجزائر مثل (توات) وما حولها كان منضماً لهذه الأرض؛ ولذلك لما هاجر سيدي أحمد المغيلي إلى هذه البلاد، جاء من (توات) وذهب إلى (ولاته) وكذلك لما سافر السيوطي من مصر إلى هذه البلاد مر بجنوب الجزائر.
وكذلك فإن أرض (جاوا)، وكذلك (أضواد) وما حولها هي من هذه البلاد قديماً، وكذلك مما كان من البلاد جنوب النهر، فهو أيضاً من هذه البلاد، وهذا النهر سماه البرتغاليون: نهر صنهاجة، وصنهاجة قبيلة كانت في هذه الأرض، وسموا النهر بها ثم حرفوها، ففي لغة البرتغال إذا نطقوا صنهاجة يقولون: صنج؛ ولذلك سميت (سنجال) فأصل هذه الكلمة صنج، وصنج معناه: صنهاج، فهي في الأصل منسوبة إلى هذه القبيلة المعروفة التي كانت تسكن هذه الأرض، وتعود إليها قبيلتان: إحداهما: (لمتونة)، والأخرى:(مسوفة) وهما من سكان هذه البلاد، وفيها يقول الداني وهو شاعر أندلسي قديم: قوم لهم شرف العلا من حمير وإذا انتموا صنهاجة فهم هم لما حووا علياء كل فضيلة غلب الحياء عليهم فتلثموا