بالنسبة لهذه الأقوال التي ذكرناها في الخلاف في واضع هذا العلم، لا تختص بمذهب من المذاهب المختلفة، فلا يتعصب مذهب من المذاهب للوضع إلا ما جاء عن الحنفية فيقولون: واضعه أبو حنيفة، لكن لا يتفق الشافعية على أن واضعه أبو الحسن الأشعري وإن كان شافعياً، بل إن بعض الشافعية ينكر أنه الواضع الحقيقي لهذا العلم؛ لأن الشافعي نفسه له كلام كثير في هذا العلم، وله مناظرات ومناقشات مع حفص الفرد ومع غيره، وكذلك المالكية لا يقولون إن واضعه الباقلاني مثلاً وإن كان مالكياً، لكن لـ مالك كلام في هذا الباب ولـ ابن وهب ولعدد من الأئمة وكذلك الحنابلة.
فلا يتفق أهل مذهب من المذاهب على أن واضع هذا العلم هو فلان الفلاني، ومن هنا فإن كثيراً من المعتزلة حاولوا الإلمام ببعض جوانب هذا العلم قبل عدد من الذين ذكرناهم، فمثلاً النظام من المعتزلة ذكر بعض جوانب هذا العلم وجمعها، وكذلك أبو الهذيل العلاف وعدد من أئمة المعتزلة الكبار جمعوا في هذا العلم أشياء، لكن كثيراً منهم لم يؤلف مثل عمرو بن عبيد فإنه وإن كان ناقش في أكثر مسائل العقيدة وتخصص فيها لكن لم يكتب آراءه، إنما رويت عنه ونقلت، وحتى كان من تلامذته المنصور أمير المؤمنين فقد كان يزكيه ويقول: كلكم يطلب صيد كلكم يمشي رويد غير عمرو بن عبيد وبعد هذا اشتهر من المؤلفين منهم في هذا المجال: أبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم والقاضي عبد الجبار، والقاضي أبو الحسين البصري من الأصوليين الذين اشتهروا في هذا العلم أيضاً وجمعوا فيه.