للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تصور علم العقائد مبني على أساس عبودية المكلف]

فأولها: الحد: والمقصود به تعريف هذا العلم، وشرح ماهيته، ونحن لا نريد أن نسلك طريق المناطقة الذين يتقيدون في الحدود بتعريفات مدققة مختصرة يرد عليها كثير من الاعتراضات، ثم يجاب عن تلك الاعتراضات، فالطريقة العلمية تقتضي منا أن نتصور العلم الذي نريد البحث فيه أولاً قبل الشروع فيه، وتصوره يبدأ ببنائه التأسيسي.

وبناء هذا العلم التأسيسي هو أن الله سبحانه وتعالى حين خلق الإنسان خلقه لعبادته، فعلى أساس ذلك يقوم، فقيمة كل شيء إنما هي بحسب هدفه، والإنسان خلق من أجل العبادة، فتقويمه على أساس ما قام به من هذه العبادة في حياته، مثل هذا الجهاز الذي صنع من أجل التسجيل، فقيمته هي صفاء تسجيله وقوته وإفادته لهذا، فلو كان لا يسجل فلا فائدة فيه وليس له قيمة، وإذا كان يسجل تسجيلاً ناقصاً فقيمته ناقصة، أما إذا صفا تسجيله وصلح فقيمته كاملة، وكذلك الإنسان بحسب هذا.

وقد جعل الله الإنسان بين عنصرين: العنصر الأول: عنصر أسمى منه وأعلى وهو العنصر الملكي، والعنصر الثاني: عنصر أدنى منه وأحط وهو الحيوان البهيمي.

فشرف الله الملائكة بأن كلفهم بالتكاليف ولم يمتحنهم بالشهوات، وجعل الحيوان البهيمي غير ممتحن بالتكاليف، ولكنه مبتلى بالشهوات، وجعل الإنسان بين بين، فهو مكلف بالتكاليف، وممتحن بالشهوات، فإن اتبع الشهوات ولم يؤد التكاليف التحق بالحيوان البهيمي، بل كان أدنى منه: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان:٤٤]، وإن لم يتبع الشهوات، وأدى التكاليف التحق بالصنف الأسمى منه فكان كالملائكة: (لو تدومون على ما تكونون عليه عندي لصافحتكم الملائكة في الطرقات).