للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإيمان بالرسل]

أما الركن الرابع من أركان الإيمان فهو الإيمان برسل الله، والرسل: جمع رسول.

والرسول في اللغة يطلق على الرسالة التي يحملها الإنسان إلى غيره، ومنه قول الشاعر: لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بليلى وما أرسلتهم برسولي أي: برسالتي.

وحامل تلك الرسالة يسمى رسولاً أيضاً؛ لأنه مرسل بالرسالة, والرسل: هم الذين أرسلهم الله لبيان شرعه، وهم من الملائكة ومن البشر، كما قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ} [الحج:٧٥] , ولا يكون اصطفاؤهم إلا على أساس الاختيار والاجتباء الرباني، كما قال تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:١٢٤] , فهو: {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ} [القصص:٦٨].

وقد بدأ الرسل بآدم عليه السلام، فقد أرسل إلى ذريته، لكنه أرسل قبل اهباطه إلى الأرض، فلذلك ليس من رسل أهل الأرض، فأول رسل أهل الأرض هو نوح عليه السلام.

وأما آدم فقد أرسل في الجنة إلى حواء وإلى ما بعد ذلك من ذريته، لكن لم يرسل إلى البشرية كافة، ونوح هو أول رسول إلى أهل الأرض كافة، ثم ختم الرسل بمحمد صلى الله عليه وسلم، فهو آخر الأنبياء وآخر المرسلين، كما قال تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:٤٠] , فهو خاتم النبيين لا نبي بعده.

وهؤلاء الرسل لا يكونون إلا أنبياء لله، واختلف في تحديد معنى النبي والرسول، وأرجح الأقوال في ذلك أن النبي هو الذي أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بدعوة الناس إليه وإدخالهم فيه، والرسول هو الذي أوحي إليه بشرع وأمر بدعوة الناس إليه وإدخالهم فيه، ولكن رسالاتهم متفاوتة، فمن الرسالات ما يكون تجديداً لرسالة سابقة، كرسالة يحيى مجددةً لرسالة زكريا، وكذلك رسالة عيسى مجددةً لرسالة موسى، وإن كانت مخففةً في بعض أحكامها، كما قال تعالى حكاية عنه: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ * وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ} [آل عمران:٤٨ - ٤٩].

وكذلك بين أنه يخفف عنهم بعض ما حرم عليهم: {وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران:٥٠] , فهذا تخفيف ونسخ من شريعة موسى بشريعة عيسى، لكن ليست ناسخة لكامل شريعة موسى.

ومنهم من تكون رسالته لإصلاح خلل وقعت فيه البشرية، كشعيب عليه السلام، فإنه أرسل لعلاج الظلم الذي حصل في المكيال والميزان، ولوط عليه السلام الذي أرسل لإصلاح الخلل الذي وقعت فيه البشرية من الشذوذ الجنسي وغيره.