كذلك من هذه النيات أن تنوي تكثير سواد المسلمين وإعزاز كلمة الدين، فإنه لا شيء أعظم في نفوس أعداء الله من هذه الصلاة التي يجتمع لها المسلمون، فيقفون فيها صفاً واحداً فيه غنيهم وفقيرهم، وكبيرهم وصغيرهم، وقويهم وضعيفهم، ومريضهم وصحيحهم، يستوون في الصف ويلين كل واحد منهم لأخيه ويقف إلى جنبه، ولا يتأذى بمسه له، ويتواضع له تمام التواضع، ويحس بشفقته عليه ورحمته له، ويقفون صفاً واحداً كما تصف الملائكة عند ربها.
إن هذا من شعائر الإسلام التي يلزم أن نبرزها، وأن نكثر سواد المصلين، وأن نكثر سواد الحاضرين في المساجد، وأن يكون ذلك شاملاً لحضور الرجال والنساء والصبيان وغير ذلك، فكل فئات المسلمين ينبغي أن تجتمع هنا وأن تزول عنها الفوارق، وأن يقع بينها تمام الرحمة والمودة والمحبة في هذا المكان الذي منه انطلقت المحبة وانطلق الإيمان.
كذلك فإن من نيات الذهاب إلى المسجد أن تنوي التماس بركته من الملائكة وصالح الإنس؛ فإن الملائكة يتعرفون على الناس على أبواب المساجد، وهم الذين تلتمس شفاعتهم، فإن الله تعالى ذكر أن حملة العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا:{يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[غافر:٧ - ٩].
ومن هنا فإننا محتاجون إلى التعرف إلى الملائكة، ولا شك أن من عرف أن مسئولاً كبيراً أو وجيهاً من الوجهاء يجلس في هذا البيت ويتعرف إلى كل من فيه فإنه إذا كان ذا حوائج دنيوية سيقصد ذلك الوجيه ويتعرف إليه، وإن الملائكة وجهاء عند الله سبحانه وتعالى، وهم هنا في هذا المسجد، فتعرفنا عليهم يقتضي قرباً، فشفاعتهم ودعوتهم واستغفارهم وردهم للسلام وإجابتهم للدعاء بظهر الغيب كل ذلك نحن محتاجون إليه، فمن دعا لأخيه بظهر الغيب كان عند رأسه ملكان يقولان له:(آمين ولك بمثله).
كذلك فإن حظور الصلاة في الجماعة مدعاة للتغلب على شهوات النفوس، فإن الإنسان قد لا يستجاب دعاؤه في نفسه بسبب معصية ارتكبها كترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يستجب دعاؤه، أو كأكل الحرام، فمن عاش من الحرام لا يستجاب دعاؤه، فإذا احتاج إلى استجابة الدعاء ذهب إلى المسجد فاشترك مع المصلين في دعائهم، يقرءون جميعاً في صلاتهم:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}[الفاتحة:٦ - ٧]، والله سبحانه وتعالى هو أكرم الأكرمين يعطي قبل المسألة ويعطي بعدها، وأنت محتاج إلى ما عنده:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}[فاطر:١٥]، ومن هنا احتجت إلى أن يستجاب دعاء الناس حتى تدخل في جملة المصلين ويستجاب دعاؤك بذلك.
كذلك فإن قول المصلين:(آمين) بعد الفاتحة شعيرة من شعائر الإسلام أيضاً يحسدهم عليها اليهود، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(إن أعظم ما تحسدكم عليه يهود: آمين)، فهذه الكلمة عظيمة جداً في الميزان، وشهود المصلي لها عندما يقول الإمام:{وَلا الضَّالِّينَ}[الفاتحة:٧] , فيحضر ذلك فيقول:(آمين)، وإذا صادفت تأمين الملائكة غفر له، وهذه الكلمة القليلة الحروف السهلة على اللسان تصادف تأمين الملائكة فيغفر للإنسان، ولهذا حسدنا اليهود عليها حسداً شديداً، وهي متاحة لنا في كل الأوقات، فبالإمكان أن تستقيل عثراتك وتغفر ذنوبك في كل ركعة بعد أن يقول الإمام:{وَلا الضَّالِّينَ}[الفاتحة:٧] , وهذا فضل عظيم وأجر كبير ينبغي أن يتنافس فيه المتنافسون:{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطففين:٢٦].