وكذلك نجد في البيت الإسلامي تحقيق التعاون والرفق، والعطف بين الطرفين أيضاً، فقد كان الرجال في صدر الإسلام ذوي شفقةٍ عظيمةٍ على نسائهم، وكانوا يشركون النساء في الرأي وفي الأمور الجسام.
فهاهو الرسول صلى الله عليه وسلم يشاور أمهات المؤمنين في كل أمرٍ عظيم من أمور الإسلام، وكان لرأيهن آثارٌ طيبة في مسيرة هذه الدعوة المباركة، فهذه أم سلمة رضي الله عنها تشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية برأي أنقذ الموقف ورفع الغضب عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، حين أمر الناس أن يحلقوا رءوسهم وأن ينحروا هديهم ويتحللوا فلم يفعلوا، فأشارت عليه أم سلمة أن يبدأ بنفسه، وأن ينحر هديه وأن يحلق رأسه، فإذا فعل فسيفعله المسلمون فلما امتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أشارت به أم سلمة، امتثل ذلك المسلمون جميعاً، فأنقذت هذا الموقف، وقامت بالوجه الصحيح الذي يقتضي صواب الرأي وتمام الحنكة والفطنة.
إن البيت الإسلامي مؤسسة متكاملة فيه تعاون على البر والتقوى، وقيام بالمصالح العامة وقيام بالمصالح الخاصة، فلا يحتكر فيه أحد الطرفين شيئاً من طاقاته وجهوده عن الطرف الآخر، ولهذا نجد فيه الانسجام الكامل والتعاون في كل الأمور، وأعظمها حقوق الله عز وجل، فإن الله تعالى يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:٦]، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(رحم الله رجلاً قام من الليل يصلي فأيقظ امرأته لتصلي معه، فإن هي امتنعت نضح في وجهها من الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل لتصلي، فأيقظت زوجها ليصلي معها، فإن هو امتنع نضحت في وجهه من الماء).
إن هذا من التعاون على البر والتقوى، ومن التعاون على حقوق الله عز وجل التي هي بداية أمر الدين وملاكه، ثم بعد ذلك التعاون على الحقوق بالتغافر والتسامح في كافة الحقوق، وأدائها على الوجه الصحيح، كما تربى على ذلك الجيل الأول الذين رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبوه ورأوا هديه ودله وسلوكه.